الثلاثاء 2019/09/17

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

حزب الله يتلطى بـ"السلم الأهلي" سكوتاً عن الفاخوري وأشباهه

الثلاثاء 2019/09/17
حزب الله يتلطى بـ"السلم الأهلي" سكوتاً عن الفاخوري وأشباهه
جمهور "حزب الله"، دون رأسه، بادر إلى الاشتعال غضباً من عودة الفاخوري (المدن)
increase حجم الخط decrease

شكّل التعليق الأول لوزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، حول عودة العميل عامر الياس الفاخوري إلى لبنان، صدمةً في الأوساط الشعبية. فأعاد تعليق باسيل، وبالتالي "العهد" و"التيار الوطني الحر" (حليف حزب الله) شريط الذاكرة إلى الوراء، إلى كنيسةٍ على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث وقّع في 6 شباط من العام 2006 الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر (آنذاك) العماد ميشال عون تفاهم "مار مخايل"  بين الحزبين الأصفر والبرتقالي.

فأكد باسيل ليل الأحد - الإثنين في حديث حواري على قناة الـ"OTV" أنّ "ورقة التفاهم مع حزب الله بحثت موضوع عودة بعض الذين فروا إلى إسرائيل" وقال: "علينا أن نفصل بين أكثرية يمكن أن يستفيد منهم لبنان، وأقلية مثل عامر الفاخوري مدانة عودتهم". وأضاف "نحن مع محاسبة المرتكبين لأي جرم بحق اللبنانيين مثل حالة الفاخوري. وما قام به هو مدان، ولكن هناك فئة لم ترتكب أي جرم، ولا يجوز أن نعاقبهم بمنع عودتهم. وهذا ما اتفقنا عليه باتفاق مار مخايل".

يؤكد مصدر مطلع على تفاصيل "مار مخايل" لـ"المدن" أن "عودة الفاخوري الذي ارتبط اسمه بذاكرة من الدم والقهر والتعذيب والإجرام في معتقل الخيام، أبان فترة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، تشكل فضيحة لحزب المقاومة، حزب الانتصار على العدو الاسرائيلي في تلك المرحلة، قبل أن تكون فضيحة للتيار".

حزب الله "مُحرج"
يفسّر المصدر كلامه بمعلوماتٍ يؤكد من خلالها أنه "أثناء تفاهم حزب الله في مار مخايل مع التيار العوني على قضية اللبنانيين الذين فرّوا إلى إسرائيل عقب تحرير الجنوب، كان حزب الله يحمل قائمة بأسماء 60 عميلاً، تحت عنوان ممنوعون من العودة إلى لبنان بأي ظرفٍ من الظروف، لارتباطهم بعمليات إجرام مباشرة بحق المدنيين والمقاومين خلال فترة الاحتلال، ومن بين هذه الاسماء كان اسم عامر الياس الفاخوري وابن عمه، وعاد حزب الله وتراجع عن قائمته الحمراء في إطار تسوية ما، تمت في ذلك الوقت مع العونيين".

يشكّك المصدر هنا بالتسوية التي ضحّى بها حزب الله بخطوطه الحمر، ويربط بين الاحتجاجات الشعبية لجمهور المقاومة إلى جانب احتجاجات الأحزاب اليسارية في لبنان، وغياب الموقف الرسمي المناهض لهذه الواقعة من قبل حزب الله. 

فحتى الساعة لم يصدر أي بيان رسمي من حزب المقاومة يدين عودة العميل الاسرائيلي إلى لبنان. ويترجم المصدر المطلّع هذا التغيّب عن القضية التي أشعلت جمهور المقاومة دون رأسها، بنوعٍ من الحرج الذي يعاني منه حزب الله تجاه حليفه التيار الوطني الحر، وتجاه ما اقترفت يداه خلال تسوية مار مخايل.

بالعودة لاتفاق مار مخايل، لا أسماء صريحة مذكورة في ورقته، وهو مرّ عرضاً وبشكلٍ إيجابي صريح على قضية اللبنانيين في اسرائيل في البند السادس منه كما يلي: "انطلاقاً من قناعتنا أن وجود أي لبناني على أرضه هو أفضل من رؤيته على أرض العدو، فإن حل مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى إسرائيل تتطلّب عملاً حثيثاً من أجل عودتهم إلى وطنهم آخذين بعين الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع؛ لذلك نوجه نداء لهم بالعودة السريعة إلى وطنهم استرشاداً بنداء سماحة السيد حسن نصر الله بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان واستلهاماً بكلمة العماد عون في أول جلسة لمجلس النواب".

يرفض مصدر مقرّب من حزب الله قصة الـ60 اسماً جملةً وتفصيلاً، ويؤكد أن حزب الله لا يمكن أبداً أن يساوم في قضية العملاء للعدو الاسرائيلي، لا سيما الذين ارتبطت ممارساتهم بروايات القهر والتعذيب لأهالي الجنوب على مدى مرحلة الاحتلال. ويوضّح في حديثه لـ"المدن" أن حزب الله في تفاهم مار مخايل اعتمد المعيار في التعاطي بقضية اللبنانيين الفارّين إلى اسرائيل، والمعيار كان التساهل مع كل من فرّ ولم تثبت الأدلة ممارسته الأعمال الجرمية بحق المدنيين في فترة الاحتلال، ووضع قضية من ثبُتت إدانتهم بعهدة الدولة والقضاء العسكري، وهم الذين يمنعون من العودة من دون محاكمة، وإن كان الافضل ألّا يعودوا أبداً بالنسبة لحزب الله.

حزب الله يرتضي بالأحكام المخففة
ويعيد المصدر رواية الـ60 إسماً للأسماء التي تناقلتها وسائل الاعلام، وروّج لها بعض الإعلاميين المحسوبين على "الممانعة"، إلا أن هناك خلطاً ما قد حصل. فهذه الأسماء لعملاء تمت إزالة اسمائهم من برقية 303، لا يسمح بدخولهم إلى لبنان من دون توقيف، بينهم اسم عامر الياس الفاخوري، مذيّلة بعنوان "أوقفِوا وأُجري اللازم بحقهم"، وذلك بعد أحكام قضائية غيابية مرّ عليها الزمن بحق هؤلاء.

وهذه الاسماء بعضها جاء إلى لبنان ولكن ليس من دون محاسبة أو تدقيق، لأن الجيش اللبناني أصدر "وثائق اتصال" بحق هؤلاء، وتم الاتفاق على آلية بين الجيش والأمن العام لتوقيف هؤلاء عند عودتهم. ليس لمحاكمتهم بما أن حكمهم مرّ عليه الزمن، بل للتحقّق من أن لا قرائن جديدة لم يلحظها الحكم الأول، وأن لا نشاط حديث في العمالة لهم.

وفي قضية الفاخوري الذي حكمه القضاء العسكري في العام 1996، بتهمة الاتصال مع العدو، وحصل على قرار يفيد باسقاط الحكم لمرور الزمن، بناء لطلب عبر محاميه بتاريخ 3-8-2018، يعتبر حزب الله هذا الحكم مخففاً بحق جزّار مثل الفاخوري، مثل باقي الأحكام المخففة التي صدرت من القضاء العسكري بحق عملاء كُثر. وعند سؤاله لماذا لم يتدخل حزب الله يومها لمناهضة الأحكام المخففة، يردّ المصدر: "بعد خروج اسرائيل من جنوب لبنان وإبرامها اتفاقاً مع جيش لحد، على اعتباره جيش لبنان الجنوبي، على ألّا يسلم الأخير الجنوب للدولة، وهي تمارس احتلالاً غير مباشر على الجنوب، من دون حضور رسمي، كان هدفها أن تصنع فتنة بين المسلمين والمسيحيين، تؤدي لحرب أهلية جديدة تمهد لاحتلال اسرائيلي جديد، لكن حزب الله لم يسمح بذلك، وارتضى بالأحكام المخففة يومها، حفاظاً على السلم الأهلي وأمن الجنوب بعد تحريره".

يرفض المصدر الخوض بالحديث عن السبب الذي أدى لدخول الفاخوري من دون التوقيف فوراً على مطار بيروت، ويقول: "بغض النظر عن اللغط الذي أدى لشطب اسم الفاخوري من سجل الـ303 والجهة المسؤولة عنه، بالرغم من أنه يدخل إلى لبنان للمرة الأولى، فقد تكشفت الحقائق التي تدينه، وتبين من خلال التحقيق أن الفاخوري يمتلك جنسية إسرائيلية، وأنه مارس التعذيب بحق المعتقلين، وهذا ما يجعل من إعادة محاكمته أمراً واقعاً".

وعن سبب عدم صدور بيان رسمي من حزب الله تجاه القضية، يقول المصدر: "منذ البداية سلم حزب الله القضية للقضاء العسكري، حفاظاً على السلم الأهلي. واليوم الشارع متأهب، وللقضية حساسية طائفية، ولذلك لا يريد حزب الله أن يصبّ الزيت على النار".

امتعاضٌ من التيار
لا يخفي المصدر امتعاض حزب الله من التيار العوني، الذي حمل طوال المرحلة السابقة خطاب "المبعدين قسراً"، والذي واظب الحزب على تذكيره بالمعيار السابق الذكر في اتفاق مار مخايل مراراً وتكراراً، وعاد اليوم وتنصّل من الفاخوري، بالرغم من حمله لواء "المبعدين قسرا" خلال السنوات الماضية. وبرأي المصدر أن هذا التنصّل سياسي. فليس أمام التيار الوطني الحر إلا أن يفعل هذا في قضية حساسة لهذه الدرجة، ومع اسم هو جزّار باعتراف وبشهادات أسرى محررين شاهدين على ارتكاباته.

وفي الحكم المتوقع اليوم، بحق الفاخوري الذي يخضع للتحقيق أمام قاضية التحقيق العسكرية نجاة ابو شقرا، يؤكد مصدر قضائي أن "في القانون لا شيء يدين الفاخوري بعد مرور الزمن على حكمه الغيابي، لكن في السياسة هناك الكثير"، ورجّح ألا يتم إخلاء سبيل الفاخوري، بل التريّث تحت حجة المعطيات الجديدة: حيازته للجنسية الاسرائيلية، والدعوى الجديدة المقدمة بحقه من الأسرى الذين كانوا ضحايا تعذيب تحت يديه في معتقل الخيام".

فهل سنرى حكماً مخففاً جديداً بحق الفاخوري، أو "جزّار الخيام" كما حفظته الذاكرة الشعبية الجنوبية، وهل سيرتضي حزب الله مرة ثانية بهذا الحكم، "من أجل السلم الأهلي"؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها