الثلاثاء 2019/02/12

آخر تحديث: 00:51 (بيروت)

كي لا تخطف إيران بيروت

الثلاثاء 2019/02/12
كي لا تخطف إيران بيروت
أكثَرَ علينا سعد الحريري الخيبات والإحباطات مرات ومرات (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
قد نقسو على سعد الحريري، لسبب واضح: أننا نتأمل منه ربما أكثر مما يستطيع. والأهم أننا لا نطالب سياسيين لبنانيين آخرين ما نتمناه من الحريري، لظننا السيئ بهؤلاء وحسن ظننا به. لا نشعر أصلاً بخيبة من قادة وسياسيين نكن لهم أشياء كثيرة إلا الود والاحترام. لكن، للأسف، أكثَرَ علينا سعد الحريري الخيبات والإحباطات مرات ومرات.

نضطر لهذا التوضيح، رفعاً لشبهة "التهجم" أو "الافتراء".

في يومين فقط، تكثفت الصور والمناسبات، التي تعيدنا إلى أصل المنازعة القاسية القائمة في لبنان، وإلى فحوى الصراع الداخلي والخارجي على لبنان.

وصل ممثل "الجمهورية الإسلامية في إيران"، وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى بيروت يوم الأحد. وفي هذا الوقت كان رئيس الحكومة سعد الحريري في دبي، للمشاركة في القمة العالمية للحكومات (4 آلاف شخصية من 140 دولة). ظريف يجمع حوله في عاصمتنا، تنظيمات وزمر وحركات وأحزاب فلسطينية ولبنانية (ومن يعلم؟ ربما أيضاً بعضاً من اليمن أو البحرين أو العراق..لمَ لا؟) من صنف "الممانعة"، محبي تشافيز ومادورو وكيم جونغ أون وبشار الأسد، كي تعلم أميركا وإسرائيل ما تحضّر له إيران انطلاقاً من "الساحة" اللبنانية (لبنان بالنسبة لهم ساحة لا دولة). أما سعد الحريري، فهو هناك يجتمع مع شخصيات الأعمال والمال والسياسة على مثال المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ورؤساء حكومات وأمراء ومدراء شركات كبرى. هؤلاء في دبي، وأولئك في بيروت. والمقارنة مبكية.

ظريف في بيروت منشرح الصدر لكلام وزير خارجيتنا، الذي أقل ما يقال فيه أنه "متناغم" مع رطانة بشار الجعفري أو وليد المعلم أو فيصل المقداد. وسعد الحريري في دبي يكرر العبارة التي أفرغها حسن نصرالله وجبران باسيل من مضمونها منذ سنوات "لبنان تبنى سياسة النأي بالنفس".

هي المناسبة، ما يعيدنا في الذاكرة إلى السجال اللانهائي في زمن رفيق الحريري عن مصير بيروت ووجهتها، هل تكون هونغ كونغ أم هانوي؟ قبل أن يتنبه أصحاب "نظرية" هانوي أن العاصمة الفيتنامية نفسها اختارت في نهاية المطاف التشبه بهونغ كونغ. لكن ذلك، كالعادة، لم يؤخذ عبرة.. فتحول السجال إلى الخيار ما بين دبي وغزة.

رفيق الحريري، الذي تحاشى الاستفزاز، كان يريد لبيروت ما بعد الحرب لا دبي ولا هونغ كونغ، بل استئناف "كوزموبوليتية" بيروت ما قبل 1975، وإن بكثير من معاندة للواقع والتاريخ، وبكثير من الجموح الرأسمالي. وطبعاً، ترتب على طموحه هذا الرضوخ لمنظومة ابتزاز وسياسة رشوة واسعة النطاق، فقط كي ينفذ مشاريعه. وانتهى الأمر مع ذلك، كما يعرف الجميع، بقتل شديد العنف. قتل متعمد وبالغ اللؤم والشر، كي لا تبتعد بيروت عن نموذج "غزة"، في أحسن الأحوال.  

اليوم، محمد جواد ظريف، في زيارته هذه، يستكمل ما تفوه به نصرالله قبل أيام، عن وجوب انقطاع لبنان عن أميركا والغرب (والدول العربية طبعاً) والالتحاق بإيران: كهرباء، تعليم، أدوية، سلاح، استثمارات، سياسة وعقيدة. فإيران، حسب زعيم حزب الله، تسجل انتصارات متتالية على أميركا على امتداد أربعين عاماً، إلى حد أن نصرالله اعتذر لضيق الوقت عن سرد ما لا يحصى من هذه الانتصارات! وهذا يعني، إصراراً إيرانياً "ممانعاً" على أن تلتحق بيروت لا بدبي ولا بهونغ كونغ ولا حتى بغزة، بل بصنعاء ودمشق وبغداد.

وفي اللحظة عينها، يقول سعد الحريري: "نريد لبنان مثل دبي نموذجاً يتطلع إليه العالم".

بعد 14 عاماً على اغتيال رفيق الحريري لأسباب تمت بصلة بعبارة ابنه هذه، يبدو أن الابن يعاود الخطأ نفسه: معاندة الواقع والتاريخ، أو الإغفال التام لهما. لن نتحدث عن الفارق الهائل في القدرات والظروف الذاتية والموضوعية، لكن نشير إلى الأداء الذي يتبناه سعد الحريري راهناً. فمن يسلّم لحزب الله بيسر وسهولة وأحياناً على نحو استباقي وزائد عن الحد، لما يريده هذا الحزب اشتراطاً أو فرضاً أو إملاءً، ومن يمنح جبران باسيل بلا تحفظ أو حتى "تقطيب الحاجبين" صلاحية قيادة السياسة الرسمية اللبنانية على هذا النحو الذي يصيب الإيراني برعشة "الأورغاسم"، من الصعب عليه إقناعنا أنه سوف يأخذ بيروت إلى مصير دبي (ولدينا ألف تحفظ على نموذج دبي أصلاً).

ارتباكنا مع الحريري ليس نواياه، ولا طموحاته، بل كيف أنه هناك في دبي يستخدم لساناً ولغة نطمئن إليها، وهنا في بيروت يبلع هذا اللسان ويطوي لغته. حادثة زيارة علي أكبر ولايتي (رجل ولي الفقيه خامنئي) إلى بيروت عام 2017 لا تنتسى، ولا ارتدادتها التراجيدية في الرياض.

رجاؤنا، أن لا يتكرر هذا في زيارة ظريف راهناً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها