الأربعاء 2019/12/18

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

تقرير إسرائيلي: السلطة السياسية دمرت طموحات الشعب اللبناني

الأربعاء 2019/12/18
تقرير إسرائيلي: السلطة السياسية دمرت طموحات الشعب اللبناني
أوجد "نظام الطائف" نخبة سياسية فاحشة الثراء من مختلف الطوائف (المدن)
increase حجم الخط decrease

رغم الكوارث الواقعة، وتحولنا تدريجياً إلى دولة فاشلة، تظهر السلطة السياسية متفرجة صامدة لا تهزها الشتائم ولا التهديدات ولا موت الناس وفقرهم وجوعهم والمصائب التي تتساقط على رؤوسهم. لقد حولوا ببساطة لبنان إلى بلد منكوب اقتُلعت فيه مقوّمات الدولة، بأخضرها ويابسها، ونراهم يتسابقون على الشاشات لتقديم مطالعات تبرر مصالحهم الضيقة، فيما الناس يطالبون بكرامتهم وحفظ لقمة العيش.

ظروف قاسية وكرة قدم
تراقب إسرائيل واقع لبنان المتأزم عن كثب، فالوضع السائد حالياً يعزز قوة المواقف التي عبرت عنها وسائل إعلامية إسرائيلية وشخصيات بارزة قبل أشهر، بضرورة تجاهل مواقف اليمين التصعيدية نحو حرب عسكرية، وترك السياسيين اللبنانيين بفسادهم اللامحدود يقودون بلدهم نحو القعر وأمام مصير مجهول.

وفي هذا الإطار، تطرقت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، للأزمة اللبنانية المستفحلة، مشيرةً إلى رسالة نوادي الدرجة الأولى المشاركة في بطولة الدوري العام اللبناني لكرة القدم، إلى اتحاد اللعبة الشعبية الأولى في لبنان، التي  تحذر من الظروف الاقتصادية القاسية، وخصوصاً القيود التي تضعها البنوك على سحوبات العملات الأجنبية، والتي يمكن أن تضر بقدرة هذه الأندية على توظيف لاعبين أجانب.

المعنى العملي لهذه الرسالة، كما رأتها الصحيفة، هو أن هذه الفرق لن تكون قادرة على الحفاظ على معاييرها المهنية، وربما تخسر أفضل لاعبيها، ويضيع عليها الموسم بأكمله، ما لم يتم العثور على حل سريع. ومن الناحية القانونية، أوضح الحقوقيون ذوي الخبرة، أن كل عقد يتم إبرامه مع لاعب أجنبي يحتوي على بند يسمح لأحد الجانبين بإلغاء العقد بسبب "ظروف قاهرة" مثل الحرب أو الاضطرابات المدنية، من دون دفع تعويض. ولا تقدم هذه الفقرة القانونية أي حل لرؤساء الأندية الذين يعتمد فريقهم بشكل كبير على اللاعبين الأجانب.

اتفاق الطائف
تعتبر الصحيفة الإسرائيلية، أن مطالب المحتجين تركز على قضية رئيسية واحدة وهي: "تشكيل حكومة جديدة وتغيير النظام". وتُسمع الصرخة نفسها في شوارع بغداد، حيث فشل زعماء الأحزاب في الاتفاق على شخص ليحل محل رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي. وكما هو واضح، لدى البلدين نظام متشابه إلى حدٍ بعيد. ففي العراق، أوجد الاحتلال الأميركي الطريقة التي يتم بها توزيع الحقائب والمناصب العليا بين المجتمعات الأكبر أي الشيعة والسنة والأكراد والأقليات الأخرى.

أما في لبنان، فقد تم توقيع اتفاق الطائف في عام 1989. وحدد هذا الاتفاق الهيكل السياسي الذي تم بموجبه تخصيص عدد محدد مسبقاً ومتفق عليه من أعضاء البرلمان لكل طائفة، مع تقسيم المناصب العليا بين الطوائف الدينية.

اعتُبر اتفاق الطائف حينذاك، إنجازاً سياسياً ومدنياً استثنائياً، وضع حداً للحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً. وقد قسم هذا الاتفاق أعضاء البرلمان على الطوائف، بهدف تحطيم السياسة المجتمعية التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية، مع بناء إدارة متوازنة يمكنها إدارة البلاد من خلال التعاون المجتمعي، وهيكل كامل يحول دون الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. 

لكن النتيجة كانت مختلفة ومعيبة. إذ ترى الصحيفة أنه بعد 30 عامًا من توقيع هذا الاتفاق، اتضح أن هذا التوازن السياسي قد أوجد جموداً دبلوماسياً واقتصادياً، وأسس نخبة سياسية فاحشة الثراء من مختلف الطوائف. كما رسخ هذا الاتفاق البنية التحتية للفساد العميق الذي جر الحكومة ومؤسساتها، وكذلك البلد بأكمله، إلى هاوية اقتصادية. بينما استنفرت كل طائفة مع زعيمها لمنع الطوائف الأخرى من الحصول على المزيد من المزايا والحصص.

قوة حزب الله
وفقاً للدستور اللبناني، تتطلب القرارات الأساسية في مجلس الوزراء مثل التصديق على الميزانيات أو رسم السياسة الخارجية أو إطلاق المشاريع الوطنية، موافقة ثلثي الأعضاء. بالتالي فإن أي جهة تستطيع حشد 11 وزيراً لإلغاء أي قرار. وهنا تكمن، وفق الصحيفة، قوة حزب الله السياسية.

تَمثل الحزب في الحكومة السابقة بثلاثة وزراء وحسب، من ضمن كتلة تدعمه مكونة من 18 وزيراً تضم وزيراً سنياً. وبذلك أكد الحزب السيطرة على أي قرار حكومي، وليس من المتوقع أن يتخلى عن هذه السلطة التي اكتسبها سابقاً في هذه المرحلة.

عندما استقال رئيس الوزراء سعد الحريري في نهاية تشرين أول الماضي، طالب بتشكيل حكومة خبراء لا تعتمد المحاصصة المعهودة في النظام السياسي اللبناني. وقد رد أمين عام  حزب الله حسن نصر الله على مطلب الحريري الأسبوع الماضي، معلناً أن الحكومة الجديدة يجب أن تقدم التمثيل المناسب لجميع القوى في لبنان. وبمعنى آخر، تقول الصحيفة بأن نصر الله قالها علناً بأنه لن يتم تشكيل حكومة خبراء تجرده من نفوذه السياسي إلا على جثته.

مفاوضات شاقة
أعرب عدد كبير من المتظاهرين في شوارع بيروت عن رفضهم لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة. لكن حركة الاحتجاج، حسب الصحيفة، لا تمتلك حتى الآن ناطقين باسمها، مع غياب قادة يمكنهم إملاء ما يريدونه على الرئيس ميشال عون. وحتى عون نفسه لديه مصالح اقتصادية وسياسية في الحفاظ على الترتيب الحالي، الذي يمنحه هو وتياره المرتبط بحزب الله، قوة سياسية هائلة.

الحل الواقعي الذي يفرض نفسه، كما ترى الصحيفة، هو تشكيل حكومة برئاسة الحريري ووزراء مختصين لا ينتمون إلى هوية سياسية معينة ولديهم خبرة واسعة في المقاعد الوزارية التي سيشغلوها.

من المتوقع إجراء مفاوضات طويلة ومرهقة لتشكيل الحكومة العتيدة، قد تستغرق أسابيع أو أشهر. والتجارب اللبنانية تتحدث عن نفسها. فبعد الانتخابات الأخيرة عام 2018، استغرق الأمر ثمانية أشهر حتى توصل الطرفان إلى اتفاق لتشكيل الحكومة التي استقالت مؤخراً. لذلك تطرح الصحيفة علامة استفهام إلى أي مدى سيكون الجمهور على استعداد لانتظار نتائج هذه المفاوضات، من دون تطور الأمور وتدهورها إلى اشتباكات عنيفة، ومعارك في الشوارع، إن لم تكن السيناريوهات المطروحة أسوأ من ذلك.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها