الخميس 2019/12/12

آخر تحديث: 00:46 (بيروت)

جبران باسيل المعارضة والموالاة وأشياء أخرى

الخميس 2019/12/12
جبران باسيل المعارضة والموالاة وأشياء أخرى
أنانيّته التي أوصلته اليوم ليكون وحيداً (Getty)
increase حجم الخط decrease

يتجه جبران باسيل إلى المعارضة. هذا الخبر الأوّل اليوم. رئيس التيار الوطني الحر المنتهي في الشارع يريد العودة إلى الشارع. تكتيك؟ يحاول بعد كل التطورات السياسية والشعبية التي حصلت منذ 17 تشرين الأول أن يعيد التقاط أنفاسه. يحاول، أن يرد على طلاق سعد الحريري ونبذ الشارع له بمحاولة التحايل على الاثنين. لكنه، بين هذا وذاك يقع مجدداً أسير طموحه غير المحدود، وأنانيّته التي أوصلته اليوم ليكون وحيداً، لولا اتكائه على غرام ميشال عون بشخصه والثقة الغريبة التي يضعها الأخير به، والتي صارت غير مفهومة حتى لأفراد العائلة نفسها. العائلة المشرذمة كحال التيار والتكتل وكل ما يلمسه أو يقترب منه جبران.

التفكك والدومينو
لا مكان لباسيل في التشكيلة الحكومية المقبلة إذا لم تكن حكومة مواجهة. ولا مكان له في حكومة تكنو-سياسية، وهذا ما فهمه من سعد الحريري، الذي يمني النفس بعودة يرسمها منذ لحظة استقالته. فجأة وجد رئيس تكتل لبنان القوي نفسه خارج المنظومة تقريباً، ولذلك سيحاول جاهداً العودة إلى الساحة بطرق مختلفة، سيستقتل بمحاولاته. هو حين قرر دعم سمير الخطيب للاستشارات، وصلته أكثر من رسالة واضحة من داخل التكتل مفادها أن الكثير من النواب لن يمشوا معه بالتسمية، وجزء من تراجعه عن دعم الخطيب كان بسبب هذا التفكك الحاصل داخل تكتله، وليس فقط كما حاول الترويج في الإعلام، إصراره على أن يكون جزءاً من هذه الحكومة التي كان من المزمع تركيبها كأحجار الدومينو.

التقط جبران الرسالة فانسحب. وهو الآن، وبعد أن تيقن من اتجاه غالبية الكتل لتسمية سعد الحريري، ما يعني أنه من غير الممكن أن يكون وزيراً، قرر أن يعود إلى "المعارضة" كما يسميها هو. لكن هذا القرار لن يمرّ مرور الكرام داخل التكتل، الذي ظهر عليه التفكك منذ 17 تشرين، إذ خرج النائب ميشال معوض عن طوعه، كذلك فعل ميشال ضاهر، فيما تركه نهائياً نعمت افرام وشامل روكز. وللأخير معركة خاصة يخوضها مع جبران تبدأ بالعائلة ولا تنتهي بالتيار السياسي الذي ينتميان إليه كل بطريقته. أكثر من ذلك، دخل إيلي الفرزلي على هذه اللائحة بعد أن قالها بشكل واضح إنه مع تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.

الحزب الحاكم
عند هذا الحد، كانت الأمور تتجه إلى قرار باسيلي بعزل التيار الوطني الحر سياسياً، لأن شخصه الكريم غير ممثل بالحكومة. من هنا كان السؤال الكبير الذي طُرح داخل أروقة التيار والتكتل: نخرج من الحكومة نحو المعارضة ولكن نحن "الحزب الحاكم" اليوم، ولدينا رئيس جمهورية، كيف نخرج إلى معارضة حكم رأس هرمه هو ميشال عون؟ بعد تفكر، خرج جبران بحل ذكي بنظره: نخرج كتكتل ونترك لرئيس الجمهورية حرية اختيار وزرائه، وبالتالي لا يكون التكتل والتيار ممثلاً فعلياً في الحكومة وتبقى حرية الحركة لدينا واسعة.

هنا كان السؤال الآخر: نخرج من الحكومة لأن جبران لن يدخلها، ثم نتحول معارضة لحكومة، الرئاسة الأولى جزء لا يتجزأ منها؟ لا جواب طبعاً. فجبران لم يعتد على سماع الأسئلة، وهو اليوم يواجه بها عند كل مفصل وفي كل لقاء لتياره. كان يأخذ القرارات ويدخل اجتماع التكتل، فقط لإثبات الوجود من دون أن يعير اهتماماً لأيّ كان. يتلهى بهاتفه فيما النواب والوزراء يتحدثون بأمور كثيرة إلا القرارات، التي يخرج إبراهيم كنعان ليتلوها لاحقاً. اليوم لم تعد الأمور كما في السابق. أسئلة كثيرة واعتراضات أكثر تلاحق الرئيس الذي كان إلى الأمس لا يُمس، ليتحول بعد الثورة إلى رجل كغيره، يُساءل، حتى من قبل أعضاء التكتل.

الامتعاض والمساءلة
صار داخل التكتل والتيار من يجرؤ على السؤال. وهذا ما يُحسب للثورة قبل أن يُحسب لمن يُناقش جبران هذه الأيام. فهؤلاء أستمدوا القوة من الشارع، وإن كانوا إلى الآن غير قادرين على أن يُجاهروا بما يضمرونه من أفكار تخطت مرحلة الامتعاض من رئيسهم. والتكتلات داخل التكتل بدأت تتسع وتتضح، ففيما تقود المصلحة المشتركة تحالف الياس بو صعب وسليم جريصاتي وجبران باسيل، يبقى جبران مسيطراً على كل النواب والوزراء الجدد الذين أتى بهم بعد الانتخابات النيابية. وهؤلاء لا يُمكنهم إلا أن يكونوا بصفه لأن خروجهم عن طوعه يعني نهايتهم، ومنهم ندى البستاني وأسعد درغام وحكمت ديب وغيرهم، من دون أن ننسى أمثال طلال إرسلان المتحمسين له أكثر من حماسة محازبيه. في المقابل، يُدرك باسيل جيداً أن الفاعلين في التيار صاروا خارج بيت الطاعة، تبدأ بآلان عون ولا تنتهي بسيمون أبي رميا، وغيرهما كُثر، إضافة إلى تيار واسع من قيادات الصف الثاني من منسقين ومسؤولي قطاعات صار ضبطهم أشبه بالمستحيل.

في خضم كل هذا، قرر باسيل أن يكون في المعارضة، وفي الوقت نفسه، سيدير حصة عمّه داخل الحكومة. يعني، سيعارض وسيؤيد مستخدماً جبهتين ليبقى الحاكم بأمره بكل شيء، فيما على أرض الواقع بدأت الأمور تخرج من يديه، من العائلة الصغيرة إلى الكبيرة. وبينهما، تيار يتحول إلى تيارات متقابلة. مع الوقت قد يتجرأ كثيرون على المجاهرة بمعارضته ومن ثم خروجهم، أو سيبقى الاعتراض محصوراً ببيت داخلي يحكمه باسيل، وكأن مفاعيل 17 تشرين تقف عند حدود الجرأة ولا تصل إلى مرحلة الفعل، لدى من ينتمي إلى هذا العهد القوي، جداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها