الأحد 2018/06/24

آخر تحديث: 07:13 (بيروت)

هكذا تُصفّى الاونروا: الفلسطينيون يحتجّون.. ولكن

الأحد 2018/06/24
هكذا تُصفّى الاونروا: الفلسطينيون يحتجّون.. ولكن
"التخفيضات التي تطاول الأونروا تتساوق مع تصفية القضية الفلسطينية"
increase حجم الخط decrease

قبل 28 عاماً كان الفتى محمود دكور يسير برفقة أخيه الأصغر إبراهيم كل يوم من تجمع المعشوق في مدينة صور إلى مدرستهما في مخيم برج الشمالي، قاطعين كيلومترات عدة. وفي يوم ماطر، سقط إبراهيم، ذو السبع سنوات وقتها، في مسرب للصرف الصحي. لحظات فصلت بين الطفل والموت، لولا أن تدخل عسكري في الجيش اللبناني وأنقذه.

في العام التالي افتتحت الأونروا مدرسة الطنطورة الابتدائية في تجمع المعشوق، وتضم اليوم نحو 170 تلميذاً. لكن قبل شهر تقريباً، تعم تجمع المعشوق تظاهرات احتجاجية بعدما تسرّب عن نيّة الأونروا إغلاق المدرسة، في إطار الإجراءات التي تنفّذها بذريعة انكماش ميزانيتها وضعف التمويل. ويقف عضو اللجنة الأهلية في المعشوق محمود دكور في مقدّمة المحتجّين "كي لا تتكرر المآسي التي عشناها سابقاً"، كما يقول لـ"المدن".

بداية الحراك كان مع تسريب ما دار في لقاء جمع رئيس دائرة التربية والتعليم في وكالة الأونروا في لبنان سالم ديب بمديري مدارس الوكالة في مدينة صور. وصرّح خلاله ديب بأن هناك توجّهاً لإغلاق مدرسة الطنطورة في تجمع المعشوق ومدرسة العوجا في منطقة عدلون. ويقول دكور: "صحيح أنه لم يكن هناك إعلان رسمي، لكن تواتر الحديث من مديرين عدة، كما إغلاق مدارس خلال الأعوام السابقة، قادنا إلى هذه الاحتجاجات الواسعة، التي يشارك فيها كل الناس، من التوجهات السياسية والمدنية كلها".

ويحذّر من خطورة الخطوة. فـ"تجمع المعشوق، الذي يضم نحو 5000 فلسطيني، تسكنه أغلبية من الفقراء، يعملون في زراعة الليمون. وهم عاجزون عن تحمّل تكلفة رسوم النقل إلى مخيم برج الشمالي. والذهاب سيراً على الأقدام فيه مخاطر كبير خبرناها من قبل، منها تعرّض الأطفال لحوادث دهس بالسيارات كانت تحدث بشكل شبه أسبوعي، كذلك الطريق بين المعشوق وبرج الشمالي يغرق بالمياه شتاء".

ويشير إلى أن "نقل التلاميذ إلى مدارس أخرى من دون زيادة الشُعب الصفية سيتسبب في ازدحام داخل الصفوف، يؤدي إلى تعطيل العملية التعليمية، أو إعاقتها على أقل تقدير. وهذا أيضاً يحدث اليوم في العديد من مدارس الأونروا، ولا حاجة إلى تجربته اليوم". ودعا دكور إلى تراجع الأونروا عن قرارها بإغلاق مدرسة الطنطورة قبل أن يتخذ الأهالي خطوات تصعيدية جديدة، بعد اعتصامين شهدهما تجمع المعشوق.

المشهد نفسه يكاد يتكرر في منطقة عدلون، حيث مدرسة العوجا مهددة بالإغلاق هي الأخرى. ويحذّر عضو اللجنة الأهلية في عدلون جميل محمد، في حديثه إلى "المدن"، من أن هناك 120 تلميذاً ربما لن يستطيعوا ارتياد مدرسة أخرى في حال إغلاق مدرسة العوجة. فالمدرسة الأقرب التابعة لوكالة الأونروا هي مدرسة المنصورة في مخيم القاسمية، والتي تبعد نحو 7 كيلومتر عن عدلون، ولا يستطيع الأهالي تحمّل تكلفة نقل أبنائهم بالحافلات.

أحد المسؤولين في وكالة الأونروا، تحدث إلى "المدن"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، فرفض الإجابة بشأن صحة الأنباء عن إغلاق مدرستي الطنطورة والعوجا، لكنه أقرّ بأن الأزمة المالية التي تعيشها الأونروا "قد تدفعها إلى اتخاذ إجراءات صعبة. ففي النهاية هذه مؤسسة دولية، وتتلقى أموالاً من المجتمع الدولي، وانقطاع هذه الأموال، كما يحدث اليوم، سيؤدي إلى سلوك مسار يقلل من المصاريف، تبعاً لحجم الأموال المخفضة". وعن ماهية هذا المسار، أجاب بوضوح أن ذلك قد يشمل "دمج مدارس، وربما عيادات، ووقف التوظيف، وغير ذلك".

رئيس هيئة العاملين في الأونروا حكم شهوان كان أكثر وضوحاً في حديثه قبل أيام من أنه "لا يوجد قرار حتى اللحظة لبدء العام الدراسي في مدارس وكالة الأونروا، ونأمل بالجهود الكثيفة الحالية التي تحدث بشكل يومي أن نحصل على التمويل اللازم ونستمر بعملنا"، متمنياً أن لا تصل الأونروا إلى مرحلة عدم وجود سيولة لدفع رواتب موظفيها.

ويعتبر المدير العام للهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي، في حديث إلى "المدن"، أن خطوة إغلاق مدرسة الطنطورة "هي خطوة أوّلية، وهي جسّ نبض، في طريق اتخاذ مزيد من الخطوات، سيكون من بينها دمج مدارس عديدة، التي تعني عملياً الغاء العملية التعليمية. كما أن الأمان الصحي في خطر، من خلال ما يُتداول، وما يجري تسريبه، من احتمال دمج عيادات والغاء أخرى. ومسألة أخرى لا بد أن تأخذ اهتماماً كافياً، وهي أن انكشاف الأمان الوظيفي يهدد 3096 موظفاً فلسطينياً يعملون في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في لبنان، من بينهم 2082 موظفاً يعملون في قطاع التربية والتعليم". ويحذّر هويدي من أن "التخفيضات التي تطاول الأونروا، وتقلّص من خدماتها، تتساوق مع المشروع السياسي لتصفية القضية الفلسطينية، والمسمّى صفقة القرن".

قبل عامين، اعتصم الفلسطينيون بشكل يومي أمام مركز الأونروا الرئيسي في بيروت، احتجاجاً على تقليصات أقرتها الأونروا لكثير من خدماتها. بعد ذلك، استطاعت الوكالة الدولية الالتفاف على المطالب الفلسطينية، وإفشال الاعتصام، من خلال وعود أطلقتها، لم تُنفّذ حتى اليوم، ومن خلال ما قيل عن ضغوط عربية ومحلية طاولت بعض القيادات المعتصمة. فهل يستطيع المحتجون الفلسطينيون اليوم تلافي ما أصابهم في العام 2016؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها