الثلاثاء 2018/06/19

آخر تحديث: 00:11 (بيروت)

بالأرقام: هكذا يبالغ عون في تحميل اللاجئين خسائر لبنان

الثلاثاء 2018/06/19
بالأرقام: هكذا يبالغ عون في تحميل اللاجئين خسائر لبنان
تضخيم الأرقام يأتي في سياق حملة سياسيّة بشأن اللاجئين في لبنان (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

قال رئيس الجمهوريّة ميشال عون أمام ممثلي مجموعة الدعم الدوليّة للبنان إن حجم الخسائر الاقتصاديّة التي لحقت بلبنان نتيجة أزمة النزوح السوري، بلغ 19 مليار و486 مليون دولار أميركي، بينما حصل لبنان على 9 مليارات و720 مليون دولار على شكل مساعدات. بالمحصّلة، تكون الكلفة الصافية لأزمة النزوح نحو 9 مليارات و776 مليون دولار بعد حسم المساعدات من قيمة الخسائر.

خلط الأرقام
الرقم الكبير يأتي في سياق حملة سياسيّة بشأن اللاجئين في لبنان. لكنّ التدقيق في الأرقام التي وزّعها رئيس الجمهوريّة يظهر أنّ الرقم الضخم هو نتيجة الخلط بين كلفة وجود اللاجئين من جهة، وتبعات الأزمة السوريّة نفسها وغيرها من الأزمات اللبنانيّة غير المرتبطة باللجوء من جهة أخرى.

قراءة بسيطة في تفاصيل الأرقام تظهر أن مجموع الخسائر هذا يتضمّن وفق عون 7.6 مليارات على شكل خسائر في القطاع العقاري مثلاً. وهي خسائر موجودة في القطاع منذ 2011 بالتزامن مع بداية الأزمة السوريّة، لكنّ أيّاً من هذه الخسائر غير مرتبط بوجود اللاجئين في لبنان.

في الواقع، يرتبط جزء من أزمة القطاع العقاري بالأزمة السوريّة التي دفعت بجزء من المستثمرين إلى الخروج من السوق العقارية في المنطقة ككل، لكنّ وجود أو عدم وجود اللاجئين لم يكن أحد العوامل المؤثّرة. أمّا العوامل الأخرى فترتبط بطبيعة القطاع وعلاقته بالقطاع المالي والأوضاع الاقتصاديّة في البلدان النفطيّة وغيرها من العوامل.

في الواقع، أدّى وجود اللاجئين إلى الحد من آثار الأزمة العقاريّة الأخيرة، عبر خلق إنفاق إضافي على الإيجارات قدّرته دراسة للاقتصادي جاد شعبان بـ50 مليون دولار سنويّاً. توازي هذه القيمة نحو 350 مليون دولار على امتداد سنوات الأزمة في سوريا، وهي ذات تأثير كبير على سوق العقارات في لبنان.

أمّا المفاجأة الأكبر فهي أن تتضمّن أرقام عون خسائر في قطاع السياحة بقيمة 4.7 مليار دولار، بينما بالكاد تجاوزت مساهمة القطاع بأسره في الناتج المحلّي نحو 3.3 مليار دولار في العام 2017. فكيف يمكن تصوّر تسبب اللاجئين بخسائر بهذه الحجم مقارنة بحجم القطاع؟ في الواقع، يعكس الرقم الوارد الخسائر جرّاء التراجع في حجم القطاع منذ 2011 وبشكل تراكمي. وهذا التراجع يرتبط بمجمل الخضّات التي شهدها لبنان وسوريا، بالإضافة إلى إحجام سيّاح بعض الدول العربيّة عن المجيء إلى لبنان، لكنّ وجود اللاجئين نفسه لا يتعلّق بأي شكل بهذا التراجع.

وعلى هذا المنوال تتضمّن أرقام الرئيس خسائر في قطاع مثل المصارف بقيمة 635 مليون دولار. وهو قطاع لا تتعلّق أنشطته بأي شكل بوجود أو عدم وجود اللاجئين. فالمصارف تعاني من ضغوط في بيئة عملها الماليّة منذ سنوات. وهذا ناتج عن طبيعة المشاكل التي تواجه النموذج الاقتصادي في لبنان، نتيجة قدرته على الاستمرار. لكنّ أي رابط يمكن أن يشرح وجود خسائر مصرفيّة بفعل وجود لاجئين على الأراضي اللبنانيّة؟

هكذا، يتضح سريعاً أنّ أرقام عون تضمّنت مجمل خسائر لبنان جرّاء أزماته الماليّة والاقتصاديّة منذ العام 2011، التي يرتبط بعضها بأزمات المنطقة العسكريّة وليس مشكلة وجود اللاجئين، أو ترتبط بمشاكل لبنان الاقتصاديّة نفسها مثل مشاكل القطاع العقاري وقطاع المصارف.

وقائع لا تُذكر
لا تشهد هذه الأرقام ولا الأرقام التي يقدّمها سياسيّون آخرون على مساهمات أخرى استفاد منها الاقتصاد اللبناني، مثل إنفاق السوريين سنويّاً ما يزيد عن 1.5 مليار دولار في السوق المحلّية. وهو ما يوازي وحده 3% من الناتج المحلّي. يُضاف هذا إلى نحو 1.5 مليار دولار التي يتلقّاها لبنان واللاجئون سنويّاً من منظّمات دوليّة وجمعيّات ودول تُعنى بمساعدة اللاجئين. وفي ظلّ ضعف معدّلات النمو الاقتصادي منذ العام 2011، كان هذا الإنفاق مع المساعدات أحد العوامل التي رفعت واردات الدولة بنحو 600 مليون دولار بين العامين 2011 و2016.

كذلك تتجاهل الأرقام التي يوردها السياسيون في لبنان أن ثمّة حاجات كبرى بالفعل لدى هذه الفئة، لكنّ في الواقع نحن أمام دولة مستقيلة من دورها أمامهم. بالتالي، فهم يعتمدون إمّا على المساعدات الأجنبيّة صحيّاً وتعليميّاً وفي غيرها من أوجه الخدمات الاجتماعيّة، أو يعانون النقص في تأمين هذه الخدمات في كثير من الأحيان. وهنا تحديداً تكمن المبالغات عند الحديث عن كلفة وجودهم في لبنان.

من الواضح أن شعار "عبء اللجوء السوري" أصبح عنواناً للتوظيف من أجل استقطاب المساعدات الدوليّة الإضافيّة أحياناً، أو لاستعماله في المعركة لتعجيل عودة النازحين بمعزل عن الظروف السياسيّة في أحيان أخرى. وفي جميع الحالات، يبقى اللاجئ ضحيّة عدم التعاطي مع أزمة وجوده في لبنان كأزمة إنسانيّة ترتبط بواجبات أخلاقيّة قبل كل شيء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها