الأربعاء 2018/11/21

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

نجيب ميقاتي: لا أصدقاء ولا أعداء

الأربعاء 2018/11/21
نجيب ميقاتي: لا أصدقاء ولا أعداء
تتحول مراوغته الدائمة إلى أداء وحيد في السياسة (Getty)
increase حجم الخط decrease

في القاموس نجد معنى كلمة سادر: "تَحَيَّرَ بَصَرُهُ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ". لكن في مكان آخر، تأخذ الكلمة معنى التائه أو "غَيْرُ المُتَشَبِّثِ فِي كَلاَمِهِ". قد لا يصح هذا في صاحب الثروة ورائد الأعمال نجيب ميقاتي، كمغامر في صفقات وشركات واستثمارات. إلا أن لا وصف لـ"الرئيس" ميقاتي يناسبه سياسياً قدر عبارة "السادر".

هل هو صديق النظام السوري؟ هل هو حليف حزب الله؟ هل هو قريب من ميشال عون؟ هل هو خصم سعد الحريري؟ هل هو أقرب لـ8 آذار أم لـ14 آذار؟ يمكننا أن نضع عشرات الأسئلة المشابهة.. ولن يقول هو الجواب ولا نحن سنعرف طبعاً.

ليست نقيصة بتاتاً هذه القدرة على التملص، اللا لون.. أن يكون بلا أعداء وبلا أصدقاء في آن واحد. إنما إذ تتحول هذه المراوغة الدائمة إلى أداء وحيد في السياسة، فهي ترسم ميقاتي كرجل بلا ملامح. ويتأكد هذا الانطباع المزعج عندما نحاول تذكر ولو "سلوغن" (شعار) واحد له قابل للحفظ، لا جدوى إطلاقاً في استرجاع تصريح له أو عبارة ذات مغزى. كلامه النظيف الخالي من أي طبقات أو مضمرات، كسطح واحد أملس بلا نتوءات. رتابة اللامعنى واللاموقف. البحث عن بصمته الشخصية في اللغة السياسية يودي بنا للتفكير أنه يكتب بممحاة.


ينسحب هذا على المظهر والإطلالة. خلو ملبسه من أي لمسة شخصية تميّزه. أناقة مفرطة العمومية. يخرج إلى العلن ويتوارى بهدوء، يظهر في مجلس الوزراء ويختفي منه بلا ضجة ولا مشكلة، يحضر في مجلس النواب أو يغيب عنه بلا أي صوت. دماثة ولطف غير مريحين، لشدة التباسهما بالفتور، وبشبهة الباطنية الكتومة. هذا رجل مثير للقلق خصوصاً عندما تعرف أنه يواظب على توزيع "محبته" المجانية على القريب والبعيد. وحتى عندما قبل رئاسة الحكومة مطلع العام 2011، إثر انقلاب حزب الله على سعد الحريري والإطاحة به، لم يقع بمحظور عداء المجتمع السنّي، كما حدث في الماضي لأمين الحافظ الذي قَبِل رئاسة الحكومة عام 1973، بما يعاكس مزاج المسلمين حينها، فاحترق سياسياً إلى نهاية حياته. تجنب ميقاتي هكذا مصير بفضل نبرة "المحبة" إياها. أخذ قراراً استفزازياً حينها لكنه ظل شخصاً ودوداً من الصعب معاركته، إذ ستبدو كما لو أنك تتهجم عليه افتراءً.


هذه موهبة فظيعة. يسميها هو "الوسطية". فابن 63 عاماً، خرّيج جامعة هارفارد والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال، بثروة معلنة تُقدَّر بـ 2.6 مليار دولار، يستطيع معانقة حسن نصرالله وبشار الأسد ويتحالف مع سعد الحريري ويجالس ملك السعودية من دون فاصلة ولا علامة تعجب. هو هنا وهناك، بلغة شبحية وبأداء رزين وبسياسة خاوية من الرأي. ديبلوماسية الحقيبة الفارغة، إذا صح التعبير. ربما لهذا السبب، لم يستطع أحد تحميله مسؤولية الحوادث الجسام، من تفجيرات واغتيالات، وقعت أبان رئاسته للحكومة في مرحلتين. فقد نجح أن يكون في السلطة وفق مبدأ "لا أتحمل المسؤولية".. هذه نعمة لا يحلم بها أي سياسي.


سخاؤه في اللباقة يموّه شبهة بخله، تقتيره إلى حد الجفاف، حرصه الغريزي على الثروة. فمقابل البذخ والأسراف الصارخ لرفيق الحريري، على نطاق واسع، اللذين تركا أثراً مالياً واقتصادياً وعمرانياً واجتماعياً هائلاً في لبنان عموماً، وفي البيئة السنّية خصوصاً، كان لميقاتي بالمقابل سهم نحيل وضئيل تجسّد في جمعية "العزم والسعادة"، كترجمة مباشرة لإسم والده عزمي وأمه سعاد. هنا تتبدى (في اسم الجمعية) بعض طباعه التقليدية الطرابلسية، كأن "يا رضى الله ورضى الوالدين" تلازمه بوصفها حكمةً مدرسية تربوية راسخة في النفس الراضية والهانئة. بل وكأن طموحه النظر إليه بين أهل محلته وجيرته ومدينته بصفته "الإبن البار". لذا، يبدو مفعول نجاحه الاقتصادي في طرابلس، بدور الرجل المُحسن وليس أبداً رجل التغيير والازدهار. 


رغم كل صفاته "الحميدة"، إلا أن المثلبة الأصلية عنده أن لا أحد من رجال السياسة يأمنه، بل من الصعب الوثوق به. ليس غدّاراً ولا صانع مكائد، بل هو الزئبقي وحسب. يتسلل من صالونك إلى غرفة نوم عدوك بلمح البصر.

نجيب ميقاتي هو حقاً رجل تكنولوجيا الاتصالات وشركاتها، هاتف بأرقام كثيرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها