ولئن كان المجال العام، في الجنوب تحديداً، ضعيفاً، حتى في معناه التجاري، فإن هذه الشعارات المستجدة، منذ نحو أسبوع تقريباً، تبدو كالإنفجار البصري. وهي تقول ما لا يُقال في السياسة، أي ذاك الميل التضحوي، الذي يُراد له أن يعمم، باعتباره إلتزاماً. لكن عاشوراء، كما في تطورها السنوي، لا تبدو بعيدة من الواقع. فكما تستفيد هي، في سرديتها، من زخم المقاتلين وحروبهم، يستفيد هؤلاء من زخمها المرجعي، في قتالهم خارج حدودهم.
هكذا، تبدو كربلاء واقعاً، يحمل كثيراً من الألم والخسارة، لكنه مكبوت بتأجيل الانتصار أو توقعه، أو أقله تجنب "الضرر الأكبر"، كما في مروية مجيء الإرهابيين إلينا قبل ذهابنا إليهم. وهذا تلخيص راهن. فأولئك الذين يخسرون أبناءهم، وأقاربهم، في الجنوب والضاحية والبقاع، أي في أماكن التمركز الشيعي، تُحال همومهم إلى الحدث الأول في تأسيس ثقافتهم التضحوية.
وهذا ما يعرفه حزب الله جيداً. وهو، في ضبطه الذكرى في اتجاه حزبي وسياسي راهن، لا يبتعد من ذلك، وإن إضطر، كما يحصل في الضاحية، إلى العودة في الرواية إلى أولها. أي إلى أن ينشر، من ضمن حملة، سؤالاً تعريفياً "من هو الحسين؟"، وهي حملة كانت رائجة في السنوات الماضية في بلدان أوروبية.
لكن الثقافة الشعبية، التي لا تحتاج إلى دافع، تبدو أقل ضبطاً، في آخر المسألة. ففي إحدى قرى الجنوب، وفي طريق تعد ممراً لقرى أخرى، وضع نصب لرأس يفور الدم منه على نحو متواصل، يفترض أنه رأس الحسين. تخيّل أن هناك مَن يشاهد هذا الفوران الأحمر، على نحو يومي، وحده غير محتمل. لكنه يبقى، في سياسة أهل القرى، الأقل رمزية، رسالة إلى الآخرين، في عبورهم المتوقع أو في وجودهم المفترض، في الجهة الأخرى، كما هي رسالة للذات بالصبر. وهذا ما يفعله حزب الله في عاشوراء، لكنه أقل ابتذالاً من ذلك.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها