السبت 2015/08/08

آخر تحديث: 15:17 (بيروت)

حكي جردي: كنِّسوهم واطمروهم دون فرز

السبت 2015/08/08
حكي جردي: كنِّسوهم واطمروهم دون فرز
أزمة النفايات قد تكون فرصة أخيرة لتوحّد اللبنانيين (تصوير: علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لا جديد في قضية النفايات، بعد وقت لن يكون طويلا سترتفع جبال الزبالة في الأماكن التي يجري حاليا شحنها إليها وتكديسها فيها، وسيعود الوضع إلى نقطة الصفر، أو ربما إلى ما تحت الصفر فيما إذا بدأت الأوبئة بالانتشار وهذا الأمر ليس مستبعدا، بينما يتحدث وزير البيئة عن ملهاة التصدير، تلك التي دونها شروط  من الصعب على هذه الزبالة تحقيقها.


**  **  **  **
ما من مسؤول يحترم نفسه في هذا البلد، كلهم عند حلول الكارثة خبّؤوا رؤوسهم في المزابل وراحوا ينتظرون الفرج والحل المستحيل.


**  **  **  **
بالأمس أطل رئيس لجنة البيئة النائب مروان حمادة على اللبنانيين عبر مؤتمر صحافي ليزفَّ للّبنانيين خبر قيام لجنته بعقد اجتماع على مدى ثلاث ساعات، حيث ذكر أن جوّاً عاليا من المسؤولية –يا حلاوة- ساد بين المجتمعين المنتمين إلى حزب الله والمستقبل والقوات والتيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب البعث، وتمنى أن ينعكس الجو نفسه على مجلس الوزراء، وأعلن أمرين اثنين:


_ إن المداولات أفضت إلى الاتفاق على أن فاتحة حل موضوع النفايات يكون بتحريره من السياسة: كأنّ الذين صدّر حديثه بمديحهم والثناء على دورهم ليسوا شركاء حزبه في الحكومة التي قادت وتقود -بالتكافل والتضامن- جريمة طمر بيروت وجوارها بالنفايات وتعريض السكان لخطر الأوبئة.


_ إنه لا يعرف من وضع في مجلس الوزراء دفتر شروط مناقصات تلزيم النفايات ولا الآلية التي قادت إلى ذلك: طوال أشهر عديدة لم يكلف نفسه سؤال الحكومة أو استجوابها من منطلق كونه رئيسا للجنة البيئة في المجلس النيابي، أو أن يقوم باستيضاح أحد وزراء زعيمه وليد جنبلاط من منطلقه الحزبي والعصبي.


**  **  **  **
أعفى مجلس الوزراء نفسه من القيام بتحديد مواقع الفرز والطمر في كل منطقة على حدة، ترك للشركات المتقدمة بعروضها تلك المهمة، ذلك لا يمكن أن يتم في ظل هذه الظروف السياسية والأمنية والطائفية إلا برضا –وضمنا شراكة- الراعي السياسي المحلي، ما يعني تقسيم مغانم الزبالة على شركاء النظام، كلٌّ وفق حجم براميله ومستوعباته وقطيعه.


**  **  **  **
طبعا، في ظل ما يحصل، لا بد من التأكيد مرة جديدة على معجزة هذا النظام بتحوير الحوار العام وتحويل الأنظار عن كل ما هو أساسي واستراتيجي، فبينما كان النقاش بين بعض المهتمين يدور منذ تسعينات القرن الماضي حول أهمية تحويل موضوع النفايات إلى صناعة حقيقية واستثمار كل مواردها الممكنة في الطاقة والأسمدة والصناعات التدويرية من أجل تخفيف الكلفة وتحسين الأثر البيئي، صار حديث الناس الوحيد: "حيشيلوا الزبالة من الشارع بكرا أو لا؟!"


**  **  **  **
في هذا الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن النفايات، من المستغرب غياب بعض الأحزاب –لاسيما منها اليسارية والعلمانية- عن تبني الحراك المضاد لسياسة الحكومة في هذا الملف، والذي بادر إليه بعض الناشطين والجمعيات، وعن الترويج له ومدّه بالزخم الجماهيري اللازم، علما بأن خطورة هذا الملف تماثل "خطورة داعش" وربما تزيد عنها!


**  **  **  **
في خضم ما يجري كان لزعيم القوات اللبنانية سمير جعجع موقف لافت عندما أكد في تغريدة له ان "مسألة النفايات لن تمر من دون محاسبة إذ لا يقبل عقل بشري طمر النفايات على ارتفاع فوق الألف متر لأنها تلوث مياهنا الجوفية وتقضي على صحة المسيحيين":
بارك الله بهذا الحكيم "الوطني"!


**  **  **  **
هؤلاء السياسيون، بعد أن أكلوا الأخضر واليابس ولم يُبْقوا على شيء، يقومون حاليا بأكل زبالة الوطن لكي يؤكدوا أنه لم يكن يوما بالنسبة إليهم أكثر من زبالة.


**  **  **  **
أزمة النفايات قد تكون فرصة اللبنانيين الأخيرة، توحُّدهم حَوْلها ونزولهم إلى الشارع قد يقودهم إلى النجاة والنجاح بالتخلص من كافة النفايات السياسية التي فشلت في إدارة وطنهم وتطوير موارده ومرافقه ولم تنجح إلا في الفساد وتحويل الناس إلى قطعان طائفية: كنّسوهم واطمروهم دون فرز.

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها