حكي جردي: أبو علي قائد إسرائيل الجديد

ما من حزب وطني في لبنان، كل الأحزاب مرهونة للخارج أو لنزوات أصحابها الحصريين، فحزب الله مثلا ذهب قبل سنوات إلى سوريا لتحقيق مصالح إيران في المنطقة، ذلك صار مكشوفا لاسيما بعد معارك إدلب وحلب والزبداني، بينما فضّل زعيم تيار المستقبل في هذه الأثناء البقاء خارج لبنان عموما، قيل أن أسباب ذلك أمنية، لكن الحقيقة تكمن في أن "الشيخ" لا يطيق معايشة أحد أوكلت إليه مهمة الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة التي أورثها له دم أبيه، وقد يكون ذلك وفقاً لنصيحة أسداها له بعض "الأهل" في الرياض مربط نخلِهِ، أما التيار الوطني الحر فلا يجد إلا زعيمه رئيسا للجمهورية التي صارت على شفير الهاوية، هو أو لا أحد، وقد أحرق تقريبا كل المراكب خلفه في سبيل ذلك، مع العلم بأن تحقيق غايته يبدو أصعب من تعلم اللغة اليابانية.
**  **  **  **

أفعال زعماء أحزاب السلطة تدل دون شك بأن لبنان الوطن لا يتواجد ضمن البنود الأولى لبرامجهم، وأن مصالح عامة الناس فيه وحاجاتهم المعيشية  لا تهم واحدا منهم إلا بالقدر الذي يعزز موقعه في المعادلة المذهبية، يختلفون في ما بينهم ويتخاصمون ويشلون أغلب مرافق الدولة والبلاد، لكن المياه تعود إلى مجاريها إذا استشعروا خطرا على مكاسبهم.

ارتفعت أكوام الزبالة في العاصمة بيروت، ونزل الشباب اللبنانيون الذين كفروا بكل شيء إلى الشارع ينادون لتحقيق ما سبقتنا إليه أغلب دول العالم الثالث والرابع، فقلق حراس الهيكل الطائفي، وأوعز لهم المايسترو الأكبر ضابط إيقاع الصفقات بضرورة التلاقي حرصا على مصالحهم لأن جبنة الدولة التي زعزعوا كافة أساساتها صارت بخطر، فاجتمعوا على وقع حناجر المتظاهرين التي تطالبهم بالرحيل، وخاروا كعادتهم واجتروا الكلام الممجوج، وبدل أن يتواعدوا على اللقاء في اليوم التالي لأن البلد على شفير الهاوية، قرروا تأجيل الجلسة أسبوعا، بانتظار المدد من خارج لا يبدو أنه يعيرنا انتباها في المدى المنظور، أو تلمساً لإحباط يراهنون على توغله في نفوس المحتجين، تاركين للوزير الذي أوكلوا له مهمة الزبالة اجتراح الحلول، لكن "الأكرم" ابن هذا النظام، وكعكُهُ من هذا العجين العفن، وما حلوله التي ابتدعها بمشاركة بعض "الخبراء البيئيين" إلا توزيعا جديدا لزبالة البلد على أرباب الطوائف والمذاهب، كل وفق اتساع شدقيه.
**  **  **  **

بينما الجميع عندنا مشغولون بالارتهان للخارج، أعلنت "جارتنا" إسرائيل عن إطلاق ثورة تهدف لتحسين قدرات تلاميذها في مجال الرياضيات، قال وزير تعليمها أن هذه المهمة هي أهم هدف استراتيجي ينبغي تحقيقه في السنوات الأربعة القادمة لأن ذلك يؤدي حتما لتعزيز المناعتين التكنولوجية والأمنية لبلاده، مشيرا إلى أن تحسن الرياضيات سابقا هو الذي ساهم بتطوير منظومة القبة الحديدية التي حمتها من صواريخ منظمة حماس في الحرب الأخيرة.

من أجل ذلك رصدت الدولة الأموال اللازمة لزيادة عدد المعلمين وساعات التعليم، وأشركت إدارات الشركات الكبيرة العاملة في الابحاث والتكنولوجيا، وقدمت للطلاب الذين يتفوقون في نهاية المرحلة الثانوية تسهيلات من أجل دخولهم الجامعة في الأختصاص الذي يرغبونه، ولحظت تغطية كافة أكلاف تعليمهم الجامعي بشرط قيامهم لاحقا بالتدريس لمدة خمس سنوات.

جرى تعيين "الشيخ أبو علي مهنا فارس" بحسب موقع "هنا" الناطق باسم الطائفة الدرزية في إسرائيل من أجل تنفيذ هذه المهمة، وبالمناسبة كتب وزير التعليم الاسرائيلي على صفحته التواصلية:"تعرفوا على مهنا فارس، الشخص الذي سيقود ثورتنا في الرياضيات، كان حتى الآن مسؤولا عن التعليم الدرزي، أخذته من هناك حتى يقود البرنامج القومي في الرياضيات، هو متواضع وعميق وجذري، لم أقم بتعيينه لأنه درزي، بل لأنه الشخص الأكثر كفاءة لهذه المهمة في إسرائيل".
**  **  **  **

إسرائيل تصنع مجدها بإعلاء شأن الناجحين من ابناء دولتها، أما هذه الطبقة السياسية الفاجرة التي هجّرت كل المتفوقين والخبراء عندنا ووضعت كل رجل لا يناسب في الوظائف العامة فلم تنجح حتى الآن إلا بإعلاء أكوام النفايات ليقف أربابها عليها.

عاجلا أو آجلا ستحترق هذه الأكوام وسيحترقون معها، على أمل أن لا يحترق البلد معهم.