الجمعة 2013/06/28

آخر تحديث: 03:23 (بيروت)

إمتحان الجيش وقيادته

الجمعة 2013/06/28
إمتحان الجيش وقيادته
هل يكون قهوجي، ميشال سليمان آخر؟ (مديرية التوجيه)
increase حجم الخط decrease
دخل إلى "القاموس اليومي" للبنانيين تعبير جديد وهو "الحسم". الجيش حسم المعركة الميدانية بفاتورة باهظة من الشهداء والجرحى ووضع يده على مسجد بلال بن رباح. قبل أيام من هذه المعركة، بدا الجيش ضعيفاً وعناصره مهزوزة وغير واثقة بقدرتها، وأنه ممنوع عليها "الحسم". شعرت العناصر على الأرض أنها غير كفوءة، لا حول لها ولا قوة، غير مرغوب فيها في بعض المناطق. 
 
ترافقت تلك الصورة مع كمّ من الشائعات والأخبار الملفقة عن انقسام في الجيش هنا وانشقاق محدود هناك، وعن اقتتال بين العناصر على خلفيات مذهبية. لم يكن غريباً على أحمد الأسير وغيره، اللجوء إلى دعوة العسكر إلى الانتفاض على قيادتهم والوقوف إلى جانب "اخوانهم السنة"، وهذا ما لم يحصل. كان المشهد الميداني في البقاع الأوسط وعرسال والشمال يوحي بأنّ وراء الأسير حالة شعبية قادرة على تخريب الواقع ويمكنها جرّ البعض إلى الجنون. هذا ما لم يحصل، إذ تمكن الجيش من فرض كلمته على الأرض، دخل عبرا وانتشر في صيدا وواجه صرخات "التكبير" و"الجهاد" من دون أن يؤثر ذلك على وحدته. لم ينقسم الجيش ولم يخلع أي من أفراده البذة العسكرية للانضمام إلى خندق المعادين.
 
قد يكون من عبر عبرا الأهم أنّ الأجهزة اللبنانية عندما تتماسك تحقق ما هو مطلوب بين الناس. أي أنه عندما تعمل كل الفروع الأمنية الرسمية في صف واحد، بإمكانها ضبط الميدان والتقدم من دون "خروق"، ومن دون أي مفعول سياسي مفروض على هذا الجهاز الأمني وذاك. عبرا أكدت أن في الأحداث الأمنية السابقة، عملت الأجهزة وفق أجندات سياسية مختلفة ووفق أهداف متناقضة أحياناً. وهو ما كرّس أنّ كل "ضربة كفّ" في الجنوب والبقاع والشمال وبيروت، وراءها رجل سياسة أو حزب أو تيار، لا نفوس مشحونة ومواطنين غاضبين.
 
هذا ما فضحته عملية الجيش في عبرا. قيادة الجيش، عن قصد أو بغير قصد، نجحت في تعرية القوى السياسية، وفي دورها المتمادي بضرب الاستقرار. وبيان مديرية التوجيه ليل الأحد ـ الإثنين كان واضحاً: المطلوب موقف واضح من الجميع، معنا أو ضدنا. فصدرت بيانات الاستشعار السياسي. ومنها ترجمتها الفعلية على الأرض. سحبت القوى السياسية من الشوارع أنصارها المعترضة على أداء الجيش. ولطّفت مواقفها التي انحصرت بالمطالبة بتحقيق شفاف لأحداث عبرا، حفاظاً على ماء الوجه مع بعض زعماء الأحياء. ظهرت الأطراف السياسية في الموقع الهش والضعيف أمام قرار الجيش، فضبّت أجنحتها وزعرانها، وتراجعت إلى خلف أسوار الثكنات العسكرية. وبعد لجم أهل السياسة، أفضى الحسم العسكري في عبرا إلى رسالة واضحة لكل المجموعات المسلحة المنتشرة من الجنوب إلى البقاع، بأنّ الجيش قادر على وضع حد لأي ظاهرة أمنية ومستجدة، ومستعد لخسارة العشرات من عناصره لإنهاء هذه المظاهر وإصلاح هذا الخلل.
 
لكن، كل هذه الخلاصات تنتظر الكثير من التوضيحات عما حصل فعلاً على أرض عبرا. تنتظر من قيادة الجيش تفسير وجود بزات عسكرية وعليها شارات صفراء في الساحة الأمامية للمعركة. تنتظر ما صدر في الإعلام عن "تسليم حزب الله الجيش الشقق المجاورة لمسجد بلال بن رباح". كل هذه الرسائل تصبح نواياها صافية ولا غبار عليها حين يختتم التحقيق العسكري الطبيعي المفترض ان يلحق بأي عملية أمنية. فماذا يعني منع الجيش الصحافيين من تصوير بعض جثث المقاتلين وامتناعه عن إصدار لائحة واضحة ونهائية لأسماء الإرهابيين الذين شاركوا في ذبح العسكريين وزعزعة الأمن؟
 
مشهد عبرا الذي كرّس انتصاراً للجيش على السياسيين والمجموعات المسلحة، كان منتظراً ان يأخذ بعداً تنظيمياً. فقبل ان تعلن قيادة الجيش انتهاء المعارك في مسجد بلال بن رباح والسيطرة الكاملة عليه، خرجت بعض الأصوات المطالبة بتمديد ولاية قائد الجيش. أوّل هذه الأصوات، الرئيس سعد الحريري، الذي أكد أنّ الفراغ ممنوع في المؤسسة العسكرية وأنّ الجنرال جان قهوجي أثبت قوته وقدرته على الحسم. 
 
من هنا كان الانطلاق إلى الاجتماع النيابي في عين التينة الذي تم فيه اقتراح قانون رفع سن التقاعد لقائد الجيش. طريق هذا الاقتراح تبدو سالكة، بتوافق نيابي يتخطى عتبة النصف زائد واحد في المجلس النيابي. واعتراض تكتل التغيير والإصلاح على التمديد العسكري، لن يجدي نفعاً. قهوجي باقٍ في منصبه، والانقسام السياسي حول هذا الملف قد يدخل المؤسسة العسكرية في أزمة. ما مدى علاقة التمديد لقهوجي بحسم معركة عبرا؟ هذا ما سيحسمه أداء الجيش في الأيام المقبلة، وفي حال تراجعت المؤسسة العسكرية عن حسم أي معركة أخرى، تكون عبرا محطة استثنائية ونقطة عبور قهوجي إلى التمديد. يكون قهوجي ميشال سليمان آخر، بذلت له دماء الجيش حتى يبقى قائداً او ينتقل من اليرزة إلى بعبدا.
 
increase حجم الخط decrease