الأحد 2015/10/04

آخر تحديث: 13:04 (بيروت)

في سوريا،روسيا أم بوتين؟

الأحد 2015/10/04
increase حجم الخط decrease

في تحليل السياسات الخارجية للدول الكبرى، عادةً ما يتم التركيز على دور اللابيات (جماعات المصالح)، والتيارات السياسية الكبرى، والمصالح الاقتصادية العابرة للحدود، كدوافع لصنع القرار، في حين يندر التركيز على البعد الشخصي. لكن في الحالة الروسية، يبدو الأمر مختلفاً، إذ أن للتوجهات والقراءات الشخصية، للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تأثيراً حاسماً في صنع القرار في السياسة الخارجية الروسية. واتضح ذلك جلياً حينما ظهر تناقض بين تصريحات وزير الخارجية الروسي، وبين البيانات الرسمية الصادرة عن الكرملين، بخصوص استهداف "الجيش الحر" بسوريا. ففي حين وصف سيرغي لافروف، "الجيش الحر" بأنه شريك في التحول السياسي بسوريا، وصفته بعض البيانات الصادرة عن الكرملين بأنه "متشدد" ووضعته في خانة "داعش"، من دون كبير تمييز بين فصائل المعارضة السورية، بل ذهبت بيانات الكرملين إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن معظم معارضي الأسد انتموا إلى "داعش"، وكأنها تقولها علناً وبصورة مباشرة: "نعتبر كل معارضي الأسد دواعش".


في "روسيا بوتين"، يبدو أن لكاريزما الرئيس الروسي، ونجاحاته السابقة، الدور الحاسم في صنع القرار بالسياسة الخارجية، ولا يبدو أن للمحللين والخبراء المحيطين به، سواء في الجيش، أو في الخارجية، أثراً كبيراً في آلية صنع القرار. يتضح ذلك جلياً في تحليلات المراقبين لمواقف بوتين، حيث يتضح البعد الشخصي لصنع القرار، خاصة على صعيد خيبات أمل بوتين السابقة من الغرب، تحديداً في ليبيا، وخيبات الأمل الروسية السابقة من الغرب، التي عايشها بوتين شخصياً، في اتفاق دايتون بخصوص "يوغسلافيا"، في تسعينات القرن الماضي.


ومع مراجعة توجهات الخبراء الروس، يتضح إدراك معظمهم لأهمية الحل السياسي في سوريا، ودور المعارضة الرئيس فيه. ويبدو أن بوتين أعطى هامشاً لهؤلاء الخبراء للتواصل مع شخصيات سورية معارضة، لكن دون إعطاء كبير أهمية للخلاصات التي سيخرجون بها. إذ كان الرئيس الروسي ينظر إلى سوريا "بعين المؤامرة"، التي تحكم تفكير رجال المخابرات في معظم الأحيان.


القادمون عادةً من خلفيات استخباراتية، يغيب التفسير التاريخي الموضوعي للأحداث عن تفكيرهم، ويسوده "البعد المؤامراتي"، بحكم عملهم الذي يتضمن جزءاً كبيراً من "التآمر" ضد الآخر، سواء كان الآخر هو الشعب ذاته، أو كان الآخر هو طرف خارجي. لذلك، يبدو أن بوتين ينظر لسوريا على أنها ساحة "تآمر" غربي ضد المصالح الروسية. ورغم أن هناك هامشاً من التآمر في صنع الأحداث بسوريا، إلا أن السيرورة التاريخية الموضوعية، هي الأكثر تأثيراً في صنع دفة الأحداث، وهو ما يغيب عن بال الكثيرين، سواء في روسيا، أو حتى في إيران، وفي كواليس صنع القرار بدمشق، بطبيعة الحال، أيضاً.


على خلاف ذلك، يبدو أن لدى صانعي القرار في الغرب، فهماً أكثر شمولية للأحداث بسوريا، وهو على علله، يأخذ البعد التاريخي والموضوعي بعين الاعتبار في فهم ما يحدث في سوريا، الأمر الذي يدفعهم لكبح جماح تدخلهم فيها، على اعتبار أنها في حالة صراع أهلي، ناتج عن الخلاف بين سكانها على تقاسم مواضع القوة والثروة.


وبناء على ما سبق، وبرصد التجارب التاريخية التي حكمتها التأويلات والطموحات الفردية، كأمثلة ألمانيا في عهد هتلر، أو فرنسا في عهد نابليون بونابرت، أو مصر في عهد جمال عبد الناصر...إلخ، عادة ما تشهد الدول التي تحكمها شخصيات قوية وطموحة، صعوداً سريعاً مُبهراً، لكن تكون الخاتمة، في انهيار سريعٍ مُفجع.


في الحالة الروسية، يبدو أن بوتين يسير على خطى المرحلة الثانية من مراحل "دول الأفراد القوية". فبعد عقد ونصف من الصعود المُبهر لروسيا، تحت قيادته، يبدو أن الرجل ذاته يقود روسيا اليوم نحو هزيمة نكراء مُفجعة، ويبدو أن القدر شاء أن تكون ساحة هذه الهزيمة هي سوريا. ويبدو أن الغرب يدرك ذلك، وقد تجلى الأمر صريحاً في تصريح أخيراً للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، حينما حذر الروس من "المستنقع السوري".


بوتين، لا يختلف عن نماذج هتلر وبونابرت، إلا بالنِسبَة. وهكذا، يبدو أن الرئيس الروسي يجر بلاده إلى نكسة كبرى في سوريا، ستسبقها فصول طويلة من النجاحات الأولية، والنكسات المحدودة، بصورة ستجر الروس إلى المزيد من التدخل. وإن كان بوتين يتحدث اليوم عن تدخل جويّ فقط، فإنه في غالب الأمر، سينجر لاحقاً لتدخل برّي، سيكون الفاتحة لنهاية سيرة بوتين المميزة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها