الثلاثاء 2024/06/11

آخر تحديث: 07:34 (بيروت)

إعتقالات الجنرالات الروس:فساد أم تصفية حسابات؟

الثلاثاء 2024/06/11
إعتقالات الجنرالات الروس:فساد أم تصفية حسابات؟
increase حجم الخط decrease

منذ نيسان/أبريل المنصرم والمراقبون يتابعون مسلسل إعتقال كبار العسكريين الروس بتهمة الفساد. توجيه تهمة الفساد لمسؤول عسكري أم مدني في روسيا من مختلف المستويات، يثير السخرية في بلد يعمه الفساد في كافة المجالات، ومن بينها العسكري. وكما في كل الأنظمة التسلطية، الجميع يعرف الفاسدين بأسمائهم ومواقعهم، ويعرف أن مصير الفاسد يتوقف على قدرته على التملق والمداهنة. في زمن النظام البلشفي السوفياتي كان هناك من يعتبر الفساد مكوناً عضوياً للنظام، وتم تبني المقولة في رسائل دكتوراه في جامعات محلية سوفياتية. 

موقع  Carnegie موسكو الذي يصدر الآن في برلين تحت إسم Carnegie Politika نشر في 3 الجاري للباحث Mikhail Komin نصاً بحث فيه عن الهدف من وراء حملة التطهير في وزارة الدفاع والأركان العامة. قال الباحث بأنه يستغل لحظة توقف سلسلة الإعتقالات المثيرة لكبار العسكريين الروس، من أجل محاولة فهم أهداف هذه الإعتقالات. ويشير إلى أن عدد المعتقلين بلغ 5 حتى أول الجاري، ويستنتج أن الإعتقالات هي حملة منسقة، وجرت لأسباب مختلفة. ويرى أن الإعتقالات الثلاثة الأخيرة هي عملية تطهير للأشخاص المقربين من وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو. في روسيا، كما في الأنظمة الأخرى المشابهة، تترافق عمليات تبديل المجموعات الإدارية بالإستيلاء على التدفقات الريعية التي كانت تسيطر عليها المجموعة المغادرة. وكان شويغو ومحيطه يسيطرون لأكثر من 10 سنوات على أحد أكثر مصادر الريع جاذبية - إنفاق الدولة على الدفاع. وترتبط جاذبية هذه الموارد بقدرتها المذهلة على الإغراء بالفساد، إذ أنها ميزانيات ضخمة بلغت 35 تريليون روبل (الدولار كان العام 2014 حوالي 30 روبل وأقل، والآن حوالي 90 روبل) بين العامين 2013 و 2023. ومعظم هذه المبالغ كان يديرها الأشخاص الذين عينهم شويغو بمناصب مختلفة في الوزارة.

يضيف الباحث بالقول أنه، إضافة إلى ضخامة هذه المبالغ، قسم كبير من إنفاق الوزارة يتم مع جهة واحدة، ومن دون إجراء مناقصات تفترض ولو ما يشبه المنافسة. علاوة على ذلك، تطوير الأسلحة وتشييد أبنية جديدة للوزارة، غالباً ما يكون من "أسرار الدولة"، مما يمنحه حماية إضافية من عمليات التفتيش التي تقوم بها إدارات رسمية أخرى. 

يقول الباحث أن ملفات النهب الوقح لنفقات الحرب الذي كان يضر بفعالية الجيش الروسي المحارب، كانت تبلغ بوتين مع الإثباتات الموثقة.  وانتظر بوتين اللحظة المناسبة بعد تمرد بريغوجين ، حتى يقوم بنقل شويغو إلى منصب رفيع آخر منحه مناعة شخصية، وترك فريقه بدون حماية. 

يشير الباحث إلى أن أول من اعتقل في نهاية إبريل/نيسان كان الجنرال Timur Ivanov ــــ مدير تدفقات الريع المرتبطة ببناء مرافق وزارة الدفاع. وكان منصبه يخوله التوقيع على استلام المشاريع التي تم تنفيذها لصالح الوزارة. وأتى الرجل ‘إلى وزارة الدفاع مع رئيسه سيرغي شويغو من حكومة منطقة جوار موسكو، وجرى اعتقاله مع عدد آخر من الأشخاص المنضوين في سلسلة الريع هذه. 

يتوقف الباحث بعد ذلك عند توقيف الجنرال Yuri Kuznetsov رئيس دائرة شؤون الموظفين في الوزارة المخولة السماح بالإطلاع على ما يعتبر "اسرار الدولة" أو حظره. كما توقف عند إعتقال الشخصية البارزة الثالثة في السلسلة الجنرال Vladimir Verteletsky الذي يشرف على تعهدات الدولة في الحقل الرقمي الذي يعتبر الإنفاق عليه الأقل شفافية بين سائر بنود الإنفاق في ميزانية الوزارة. ويقول الباحث أن الاعتقالات الثلاثة لموظفي وزارة الدفاع أدت إلى طرد الأشخاص الرئيسيين من دائرة شويغو الذين يشرفون على حلقات مختلفة في سلسلة الريع: البناء، والوصول إلى أسرار الدولة، وميزانيات تكنولوجيا المعلومات.

يتوقف الباحث بعد ذلك عند عمليتي توقيف جنرالين لا يخضعان لوزارة الدفاع، بل لرئيس الأركان العامة، وسردية الإتهامات الموجهة إليهما ترتبط بمشاكل جبهة الحرب. الأول الجنرال هو Vadim Shamarin نائب رئيس الأركان العامة ورئيس مديرية الاتصالات للقوات المسلحة الروسية، والثاني هو الجنرال Ivan Popov قائد الجيش 58 المعروف بانتقاده الحاد لقيادة العمليات الحربية في أوكرانيا، والذي أثار اعتقاله حفيظة أنصار الحرب الروس في أوكرانيا ـــ جماعة Z  ـــ رمز الحرب الروسية على أوكرانيا). الجنرال الثالث الذي لم يعتقل حتى الآن، بل وضع "تحت التصرف" هو الشيشاني زهراب أحمدوف، قائد أكبر التشكيلات العسكرية الروسية في الحرب ضد أوكرانيا. 

التهمة الموجهة لجنرالات الأركان العامة ـــ التقصير في تنفيذ المهمات الملقاة على عاتقهم في جبهة الحرب. ويشير الباحث إلى أن بوتين أعطى إشارة البدء بحملة التطهير التي تهدف إلى رفع فعالية الآلة العسكرية الروسية عشية الهجوم الواسع في أوكرانيا. 

موقع الخدمة الروسية في إذاعة فرنسا الدولية RFI تحدث مع خبير فرنسي عن سبب موجة الإعتقالات والإقصاء في قمة الجيش الروسي. رأى الخبير Dimitri Minic أن للموجة عدة أسباب متنوعة، وفي طليعتها تبديل وزير الدفاع. وحلول Andrey Belousov محل وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو جاء لضرورة الدمج بين الإقتصاد الحربي والإقتصاد المدني، وكذلك لضرورة تحسين إدارة الموارد المالية الرسمية  الكبيرة المقدمة إلى الجيش، وتعزيز إمكانية التحديث والتطوير التكنولوجي في القوات المسلحة. ومن المفترض أن يسمح ذلك للجيش الروسي بزيادة قدراته والتفوق على الجيش الأوكراني. 

وبشأن الفساد في الجيش الروسي، ولماذا توقيت الاعتقالات الآن في السنة الثالثة للحرب، قال الخبير بأن وجود الفساد في الجيش الروسي أمر شائع، والجيش، كما الدولة، يعاني من فساد منهجي. يشير الخبير إلى أن جهاز الأمن الفدرالي FSB (هو الذي تولى توجيه لأتهامات للجنرالات واعتقالهم، وليس الهيئات العسكرية المعنية) في روسيا، حين يشهر بشخص ما علناً، ليس لأنه يعلم أن هذا الشخص أو ذاك فاسد. بل يستخدم الفساد كذريعة لعمليات التصفية الهيكلية (إزالة عدم الكفاءة)، أو البيروقراطية (تصفية الحسابات بين الهيئات)، أو السياسية (معاقبة عدم الولاء المفترض).

يرى الخبير ان تغيير قيادة وزارة الدفاع هو نتيجة الحزازات والسخط المتراكم منذ شباط/فبراير العام 2022 نظراً لإخفاقات روسيا على الجبهة. وليس السخط في الجيش ووزارة الدفاع فقط، بل بين الجيش والأجهزة (خاصة جهاز الأمن الفدرالي FSB)، بين الجيش والروس المؤيدين للحرب، ويقتح هذا الطريق أمام التصفية الشاملة للحسابات. 

موقع الخدمة الروسية في "الحرة" الأميركية نشر في 23 الشهر المنصرم نصاً استعرض فيه عدد من الخبراء آراءهم بشأن موجة إعتقالات الجنرالات الروس. 

السوسوليوجي الروسي Nikolay Mitrokhin تحدث عن أسباب موجهة التطهير الجماعي في الجيش الروسي. وبعد أن أشار إلى استبدال وزير الدفاع السابق بالإقتصادي Andrey Belousov ونهب أموال وزارة الدفاع، قال بأنها ليست المرة الأولى التي يعمد فيها بوتين للتغطية على أصدقائه المقربين الذين ينصبهم في مراكز حكومية، ويسمح برفع قضايا جنائية ضد المسؤولين الأدنى رتباً الذين تتوفر ضدهم ملفات الفساد منذ زمن بعيد. 

الصحافي Ivan Filippov أشار إلى أن المدونين الروس المؤيدين للحرب يكتبون بأن فكرة طرد اللصوص والمسؤولين الفاسدين في وزارة الدفاع بذاتها، لا تفرحهم فحسب، بل وتسعدهم. وهم يأملون بان لا يكتفوا بطردهم فحسب، بل يسجونهم، يرسلونهم إلى العمل في قطع الأشجار، يرسلونهم إلى فرقة "الإقتحام Z" ليكفروا عن ذنوبهم بالدم.





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها