السبت 2024/04/06

آخر تحديث: 08:19 (بيروت)

إسرائيل تختبر"الصبر الإستراتيجي" الإيراني

السبت 2024/04/06
إسرائيل تختبر"الصبر الإستراتيجي" الإيراني
increase حجم الخط decrease

بعد ستة أشهر من إختبار إسرائيل شعارات معسكر الممانعة في الحرب على غزة، قررت في الأول من الجاري أن ترفع صعوبة الأسئلة الموجهة للمعسكر ذاك. فالهجوم الذي شنته على منشأة دبلوماسية إيرانية في دمشق، كان بمثابة إعلان حرب يكشف إزدواجية شعارات الممانعة وحقيقة طبيعتها التعبوية. وإذا كانت الشعارات لا تزال تحتفظ بقدرتها على الهيمنة على وعي جمهور الممانعة في الداخل، جاء الهجوم ليعلن أن الخارج، كل الخارج، لم يعد يولي هذه الشعارات سوى القليل من التحسب "لمشاغلة" من هنا، وإطلاق صاروخ من هناك.

مسألة الرد الإيراني على الهجوم، سواء المباشر أو عبر الأذرع الإيرانية، لا تزال موضع أخذ ورد بين الخبراء في شؤون إيران والشرق الأوسط. لكن الكثرة منهم ترى أن رد "رجالنا الشجعان" لن يأتي، كما لم يأت بعد اغتيال قاسم سليماني الذي مضى عليه أكثر من أربع سنوات. ووفق المعلومات التي نشرتها إيران، الفرق كبير بين ما كان يمثله سليماني وما كان يمثله محمد رضا زاهدي. 

موقع الخدمة الروسية في BBC نشر في 2 الجاري نصاً نقل فيه عن محرر الشؤون الدولية في الموقع Jeremy Bowen  قوله بأن إسرائيل بهجومها على المنشاة الدبلوماسية الإيرانية في دمشق تختبر حزم الإيرانيين وحلفائهم. ورأى في الهجوم إشارة إلى أن الإسرائيليين جادون في زيادة الضغط على أعدائهم، ويتحققون من واقع أن إيران وحزب الله لا يتخذان إجراءات صارمة كما هو متوقع. ويرى المحرر أن الرد سيأتي "على الأرجح"، لكنه قد لا يكون رداً بارز المعالم، بل على شكل هجوم إلكتروني بدلاً من إطلاق صواريخ. 

مراسل الموقع في قضايا الأمن Frank Gardner يعتبر أن إيران، وكما في الحالات المماثلة، ستلجأ إما إلى التصعيد أو التهدئة. وكمثال على هذا الرد يعود المراسل إلى مقتل قاسم سليماني، ويرى أنه اعتبر في حينه تصعيداً شدبداً في الصراع بين الولايات المتحدة وأذرع إيران في المنطقة وحلفائهم. بعض المحللين توقع حينها رداً إيرانياً كارثياً يشعل حرباً في المنطقة. لكنه تبين في النهاية أن الواقعة أدت إلى التهدئة في عمليات الحرس الثوري، بعد القضاء على أخطر عناصره وأكثرهم كفاءة عسكريا في الشرق الأوسط.

المراسل الديبلوماسي للموقع James Landale  رأى أن الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق ـــ تذكير جديد بأن الحرب في الشرق الأوسط لا تقتصر على قطاع غزة. فالصراع الراهن ينبغي النظر إليه كجزء من الصراع الأشمل بين إيران وإسرائيل. 


الأميركيون الذين صرحوا بعدم معرفتهم المسبقة بالهجوم، وكانوا "يدرسون" الأنباء الواردة عن الحدث، سربوا إلى الإعلام الإسرائيلي أن إيران تخطط لهجوم خلال 48 ساعة على إسرائيل. فقد نقلت صحيفة Gazeta.ru في 4 الجاري عن الموقع الإسرائيلي Israelinfo أن وكالة المخابرات الأميركية CIA والخبراء والمسؤولين السابقين يعبرون عن مخاوفهم من إمكانية التصعيد في الوضع بالمنطقة. ونقل الموقع عن المسؤول في  المخابرات الأميركية Ralph Goff تعبيره عن دهشته وسخطه من أعمال إسرائيل، ووصفها بالمتهورة. وافترض أن الهجمات الإيرانية المحتملة قد تطال القوات الأميركية أيضاً في المنطقة. 

ونقلت الصحيفة الروسية عن موقع Voxnews الأميركي قوله بأن طهران تستعد لاستخدام مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ في الهجوم على إسرائيل. ويشير إلى أن القوات الإسرائيلية في حالة تأهب، وتلاحظ في المنطقة مشاكل في استخدام تطبيق GPS. 

صحيفة NG الروسية نقلت في 2 الجاري عن The Washington Post إشارتها إلى أن إسرائيل تلقت من الولايات المتحدة ما مجموعه 206 مليار دولار بين العامين 1946 و2023، وبذلك تكون أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية. وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن أفغانستان تحتل المرتبة الثانية بعد إسرائيل، حيث حصلت على 105 مليار دولار، وتليها فيتنام الجنوبية السابقة (95 مليار دولار) ومن ثم مصر (90 مليار دولار). وتشير الصحيفة إلى أن مجلس الشيوخ الأميركي كان قد اقترح في 5 شباط/فبراير المنصرم تخصيص مبلغ 14,1 مليار دولار كمساعدة عسكرية لإسرائيل عن طريق وزارة الدفاع الأميركية. 

الصحافية الروسية المستقلة Yulia Yuzik قالت ل"المدن" بأن خامنئي في وضع صعب. فالحرس الثوري سوف يطالب بالتأكيد برد متناسب مع الهجوم الإسرائيلي، والمرشد الأعلى نفسه يبذل جهده للجم التصعيد الإيراني الإسرائيلي، ولا يرغب في حال من الإحوال جر إيران إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة. ولذلك فإن نطاق ردوده سينحصر في تحقيق الحد الأقصى من التأثير الإعلامي والحد الأدنى من الضرر لإسرائيل أو الولايات المتحدة. وسيحاول أن يكون الرد بواسطة أذرعه في المنطقة عبر تشديد القصف الصاروخي لحزب الله، أو تفجير متناسب لإحدى القنصليات الإسرائيلية في بلد ما في إفريقيا أو أميركا اللاتينية. 

لا تستبتعد الصحافية أن يكون الخامنئي يفضل أن يقتصر الرد على الخطب الصاخبة الرنانة عن الثأر "عندما يحين وقته". وتتحدث عن قسم من النخب الإيرانية التي ترى أن إسرائيل مفيدة لها في حربها مع الحرس الثوري ـــ القوة العسكرية والمخابراتية الأقوى التي تستخدمها السلطة لتثبيت مواقعها.

صحيفة البرلمان الروسي pnp (الدوما) نقلت في 4 الجاري عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط Vladimir Fitin رأيه بأن الهجوم الإسرائيلي لن يؤدي إلى حرب في الشرق الأوسط. ويرى أن إيران لا تسعى إلى مواجهة عسكرية مكشوفة مع إسرائيل والولايات المتحدة. ويرجح الخبير أن تكتفي إيران برد محلي في دولة ثالثة ما على علاقة بالمصالح الإسرائيلية. 

موقع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW نقل في 3 الجاري عن الباحث الزائر في معهد "العلم والسياسة" الألماني Hamidreza Azizi أنه تحدث على منصة X عن نوعية  جديدة للضربات الإسرائيلية  للأهداف الإيرانية، وعن الإرتفاع الكبير للتوتر بين إيران وإسرائيل. الهجوم الأخير على دمشق، ينظر إليه بعض مؤيدي النهج المتشدد بأنه "إعلان حرب مباشر". ويلحظ الخبير تغيراً في الأهداف العسكرية للجيش الإسرائيلي. في السابق كان هذا الجيش يتفادى المواجهة المباشرة مع الأهداف الإيرانية، لكن مع إندلاع الحرب في غزة أخذت إسرائيل تختار غالباً القادة الإيرانيين رفيعي المستوى في البلدان المجاورة. 

يرى الخبير ذو الأصول الإيرانية أن طهران وجدت نفسها أمام معضلة الآن. فغياب الرد من جانبها قد يضعف موقع إيران كثيراً في عيون حلفائها، ويعرض قواتها المسلحة والقادة العسكريين لهجمات جديدة. ولذا قد تكون إيران ملزمة بالرد العسكري، لكن حجم هذا الرد يبقى غير واضح المعالم. 

موقع الخدمة الروسية في وكالة الأنباء الإيطالية agenzianova نقل في 2 الجاري عن المحلل في مركز الأبحاث السياسية الفرنسي Giuseppe Dentice قوله بأن للهجوم الإسرائيلي معنى سياسياً وآخر رمزياً. رمزية الهجوم تكمن في أنه لم تتم إصابة هدف عشوائي، بل السفارة الإيرانية. وكان بين الضحايا ممثل الحرس الثوري الذي كان صلة الوصل بين النخبة السياسية الإيرانية ونظام بشار الأسد. والمعنى السياسي للهجوم ينبع من كونه يسمح بمعاينة مدى طموح الإسرائيليين لاستعادة قدرتهم على الردع. 

يتساءل المحلل عن الجهة الإسرائيلية التي اختارت الهدف، ويرى أن الهجوم لم يكن نتيجة إستراتيجية عسكرية، بل هو خيار المستوى السياسي لجر الولايات المتحدة إلى الصراع.   



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها