الأحد 2024/03/24

آخر تحديث: 07:06 (بيروت)

إرهابيون بلا مطالب في موسكو

الأحد 2024/03/24
إرهابيون بلا مطالب في موسكو
increase حجم الخط decrease

ما إن شاع نبأ إطلاق النار في احد اكبر المجمعات التجارية على أطراف موسكو Crocus City Hall حتى عادت الذاكرة بالروس إلى العام 1999، حين فجرت الأجهزة الأمنية الروسية مباني سكنية في مدينتين روسيتين، ومهدت بذلك الطريق إلى استيلائها على السلطة في العام التالي بشخص فلاديمير بوتين. هذا الأسلوب ليس حكراً على الأجهزة الروسية، بل قد تلجأ إليه الأجهزة في بلدان أخرى، لكن ليس من أجل القفز إلى السلطة، بل لإنقاذ البلد من مأزق مصيري. حكم الأجهزة المتواصل منذ حوالي ربع قرن لم ينقذ روسيا من فوضى التسعينات، بل أعادها إلى عهد البلاشفةِ وأسوأ مراحل إرهابهم في ثلاثينات القرن الماضي.

السلطات الروسية التي أشارت إلى الإعلام الروسي الموالي لها بإبراز "الأثر الأوكراني" في الهجوم الإرهابي، لم تسلم هي نفسها من الشكوك والإتهام بالوقوف وراءه. فالرئيس الروسي الذي توجه بكلمة إلى الروس بعد 19 ساعة من وقوع الهجوم، قال بانه من أجل تنفيذه تم فتح "نافذة" لعبور الحدود من أوكرانيا، ووصفه ب"العمل الدموي البربري الإرهابي".

جاء الإرهابيون ونفذوا خطتهم، قتلوا ما قتلوا وأحرقوا ما أحرقوا في أحد أكبر المجمعات التجارية على أطراف موسكو، ثم غادروا ولم يظهر أثر للقوات الأمنية والعسكرية الروسية إلا بعد ساعات كان قد وصل خلالها الإرهابيون إلى مشارف الحدود الأوكرانية. تركوا للسلطات الروسية أن تخمن هويتهم وأهدافهم ومطالبهم التي لم يعلنوها، واكتفوا بالقتل الذي لايمكن أن يكون بلا سبب وهدف. وزاد هذا الغموض من الشكوك في دور السلطات الروسية في هذا العمل، وخفض من صدقية تلميحها إلى تورط أوكراني فيه.

هجوم الإرهابيين وقع في اليوم التالي لإعلان النتائج الرسمية للإنتخابات الرئاسية. وفي كلمته التي وجهها إلى الروس بعد إعلان فوزه، طالب بوتين كل روسي أن يكون مستنفرا في داخله. وجاء الهجوم الإرهابي مناسبة ملائمة ليكون الروسي مستنفراً في الداخل والخارج.

في تعليقه على العمل الإرهابي وكيف توظفه السلطة لصالحها، نشر الناشط السياسي الروسي VitalyGinzburg في اليوم التالي مدونة على موقع Kasparov المعارض. قال الناشط بان العمل الإرهابي جاء في الوقت "الصحيح" والمكان "الصحيح، وأدلى والأشخاص "المناسبون" بتعليقات "صحيحة" تضمنت إستنتاجات "صحيحة" أشارت إلى المذنبين "المناسبين". 

بلهجة ساخرة تعبر عن مرارة عميقة يعيشها كل المعارضين الروس، قال الناشط أنه بعد الهجوم الدوري على الأهداف المدنية الأوكرانية، " سيكون من الجيد صرف الانتباه عن هذا وتحويله صوبنا". وبضع مئات من الضحايا من أجل ذلك ليست جديرة بالتأسف عليها. المكان الذي وقع الإختيار عليه كان الأنسب ـــ إحدى أكبر الصالات الممتلئة دائماً ولا تتواجد حولها القوات الخاصة والحرس الوطني، وإن كانت على مسافة سير على الأقدام عنها. من سيدهش في روسيا مقتل بضعة أشخاص تم ترتيبه بدون أن يترافق مع تبادل إطلاق نار واسع أو تفجيرات كبيرة. وتنظيم العمل الإرهابي كان على مستوى رفيع، طالما أن مخططيه ومنفذيه تمكنوا من الفرار. 

ويضيف بأن التعليقات  والإستنتاجات لم تتأخر لحظة. لم يستغرب أن يوجه النواب وسواهم الإتهام إلى أوكرانيا. لكن أدهشته الكاتبة السياسية المعارضة المعروفة Yulia Latynina بقولها "قد ينتهي هذا بشكل سيء بالنسبة لأوكرانيا".

وكان الموقع عينه قد أشار في اليوم نفسه إلى طلب الكرملين من وسائل الإعلام الروسي الإشارة إلى "الأثر الأوكراني" في النصوص المتعلقة بالعمل الإرهابي في مجمع Crocus City Hall. وقال بأن أحد العاملين في موقع إعلامي رسمي أطلع موقع Meduza المعارض على ذلك، وأكده آخر يعمل في موقع إعلامي موالٍ للكرملين. 

يشير الموقع إلى أن جهاز الأمن الفدرالي FSB نشر في 23 الجاري معلومات عن "الأثر الأوكراني" المحتمل في الهجوم الإرهابي على المجمع التجاري. وصرح الجهاز أن المشتبه بهم الأربعة، وبعد إرتكاب الجريمة، كانوا يخططون لعبور الحدود الروسية الأوكرانية، وكانوا على تواصل مع الجانب الأوكراني. وتم اعتقالهم في منطقة بريانسك الحدودية.

أضاف الموقع بأن  Margarita Simonya، رئيسة تحرير عملاق بروباغندا الكرملين RT، نشرت شريط فيديو لاستجواب الإرهابيين الموقوفين. جميع الموقوفين المشتبه بهم من طاجكستان، وكان يدير نشاطاتهم شخص ما عثر عليهم عبر منصة تلغرام.

يشير الموقع إلى أن وزارة الخارجية الأوكرانية كانت قد رفضت بشكل قاطع في 22 الجاري إتهامات مسؤولين روس بتورط كييف في إطلاق النار وإشعال النيران في المجمع التجاري. 

صحيفة الكرملين vz نشرت في 23 الجاري نصاً بعنوان "أثر العمل الإرهابي في Crocus يفضي إلى أوكرانيا". استهلت الصحبفة نصها بالإشارة إلى أن الرئيس الروسي صرح عن نافذة تُعد في أوكرانيا لفرار مطلقي النار في المجمع التجاري. يؤكدون في الغرب أن "الدولة الإسلامية" تقف وراء العمل الإرهابي. لكن تصريح الإرهابيين الذي نشر في وسائل التواصل الإجتماعي تبين أنه ملفق. لكن الخبراء واثقون من أن من مصلحة الغرب إلقاء المسؤولية على "الدولة الإسلامية" لتبرئة اوكرانيا من التورط في العمل الإرهابي.

موقع Meduza المذكور استعرض في 22 الجاري تعليقات الرؤساء وكبار والسياسيين والصحافيين الغربيين والروس على الهجوم الإرهابي. من بين الذين استعرض الموقع تعليقاتهم كان الصحافي الإستقصائي Hristo Grozev الذي قال بأنه منذ أسبوعين تقريباً حذرت الولايات المتحدة الأجهزة الروسية من أنه تم رصد دلائل عديدة على أن فرع "الدولة الإسلامية" في أفغانستان يعد لهجوم إرهابي على روسيا. رد الروس بأن المعلومات التي قدمها الجانب الأميركي ليست محددة بما فيه الكفاية، وبدأوا يتذمرون علناً على لسان الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا. وإثر ذلك قاموا بتوقيف أعضاء في خلايا "الدولة الإسلامية. جهاز الأمن الفدرالي FSB  اعتبر أنه يعرف من يوقف، وبدأ بهذه التوقيفات. وعلينا أن ننتظر النتائج التي سيعلنها التحقيق الرسمي لأن البدائل كثيرة. فإذا وجهوا الإتهام فعلاً إلى "الدولة الإسلامية، سيكون الإتهام صحيحاً. "لكننا نحن في The Insider  وSpiegel نراقب منذ سنة كيف تقوم مخابرات الأركان العامة الروسية، ولسبب ما، بتدريب شبانٍ أفغان جاءت بهم من أفغانستان إلى روسيا". 

يبرز لدى Grozev سؤال عما إن كان محتملاً الأثر الروسي في الهجوم الإرهابي. وإذا ما كان الأثر أفغانياً، ينبغي عندها البحث عن السبب في قرار "الدولة الإسلامية" الهجوم على روسيا الآن. وإذا ما تم توجيه الإتهام ليس إلى الدولة الإسلامية، بل إلى "فيلق المتطوعين الروس" أو لأوكرانيا، عندها يصبح الأمر أكثر تعقيداً. حينها يصبح دافع جهاز الأمن الفيدرالي للتوصل إلى مسار زائف أكبر بكثير مما كان عليه في الصيغة الأفغانية. أحد هذه الدوافع ـــ خلق الظروف الملائمة لتعبئة عامة، وهو ما كان منتظراً. وينتهي إلى القول بأنه "علينا أن ننتظر الآن إلى من سيشيرون، وحينها سنبحث في الإثباتات".

صحيفة Novaya الروسية المعارضة التي لا تزال صامدة في الصدور من موسكو بالذات، نشرت في 23 الجاري نصاً للخبير العسكري Valery Shiryaev عنونه بالقول "18 دقيقة من الرعب". يقارن الخبير بين تقصير المخابرات الإسرائيلية في الكشف عن تخطيط حماس لهجومها وتقصير المخابرات الروسية في الكشف عن تخطيط الإرهابيين لهجومهم على المجمع التجاري الروسي، ويستنتج بأن "مخابراتنا ليست أفضل من المخابرات الأجنبية".




 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها