الأحد 2024/02/04

آخر تحديث: 08:10 (بيروت)

السوريون وخبزهم "الحاف"

الأحد 2024/02/04
السوريون وخبزهم "الحاف"
increase حجم الخط decrease

يترقب السوريون خلال ساعات أو أيام قليلة، قفزة نوعية في السعر الرسمي لربطة الخبز، بعد تمهيد مكثّف في الإعلام الرسمي والموالي خلال الأسبوع الفائت. ومن بين التفاصيل الكثيرة التي تناوب مسؤولون على تمريرها حول معضلة دعم الخبز التي يواجهونها، كانت الأرقام هي أبرز ما يمكن الوقوف عنده، مطوّلاً. 


ففيما قال مسؤول إن تكلفة ربطة الخبز وصلت إلى 7800 ليرة، قال آخر إنها وصلت إلى نحو 9000. مما يعني أن المؤسسات المعنية لا تملك رقماً دقيقاً بهذا الخصوص. مع الإشارة إلى أن هذا الرقم كان يتراوح ما بين 3500 و4000 ليرة، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، وفق تقديرات رسمية. أي أن تكلفة إنتاج ربطة الخبز –على ذمة الحكومة- قفزت إلى أكثر من الضعف، في ثلاثة أشهر. ولإتمام عامل الصدمة، يخبرنا مدير السورية للمخابز، بأن تكلفة الدعم السنوية للخبز باتت تفوق الـ 13 تريليون ليرة. بينما نذكر أن حكومة النظام وقبل ثلاثة أشهر فقط، حينما اعتمدت مشروع موازنة العام 2024، قدّرت مجمل اعتمادات الدعم الاجتماعي (الذي يشمل كل المواد المدعومة، وليس الخبز وحده) بـ 6.2 تريليون ليرة. أي أن تكلفة دعم الخبز وحده، قفزت لتصبح ضعف مجمل تكاليف الدعم، خلال ثلاثة أشهر فقط، وذلك وفق أرقام مسؤولي الحكومة بدمشق. فإما أن ذاكرة المسؤولين قصيرة، ونسوا الأرقام التي سبق واعتمدوها بأنفسهم، أو أن حدثاً جللاً، لا نعرفه، ألمّ بقدرات الحكومة المالية! مع الإشارة إلى أن سعر صرف الليرة السورية تراجع بنسبة لا تتجاوز الـ 6.5%، بين مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، واليوم. أي أن سعر الصرف ليس مبرراً مقبولاً هنا. كما أن أسعار القمح عالمياً لم تشهد خضّات ذات شأن في الفترة ذاتها. ناهيك عن أن التذرع بتوترات البحر الأحمر وتأثيرها على تكاليف الشحن الدولي، تبدو غير مفهومة، إذ أن القمح المستورد لسوريا آتٍ من روسيا، وليس من شرق آسيا. 


وإحدى المفارقات التي يمكن الوقوف عندها، حين الإشارة إلى تكلفة تصل إلى نحو 8000 ليرة لإنتاج ربطة الخبز المدعوم، أن مبيع ربطة الخبز السياحي في دمشق في الوقت الراهن، بنحو 11000 ليرة. أي إن حذفنا أرباح المُنتِج والبائع، فإن تكلفة إنتاج الخبز السياحي تتطابق تقريباً مع تكلفة إنتاج الخبز الحكومي "المدعوم". وهذا يدفعنا للتساؤل، هل يُعقل أن الخبز الحكومي المدعوم، بجودته السيئة التي تجعل شرائح من السوريين تعاف أكله، ويُحوَّل من جانب بعضهم إلى علف للحيوانات، يُكلِّف إنتاجه مبالغ تقترب أو تتطابق مع تكاليف إنتاج الخبز السياحي!


وهنا تجدر الإشارة إلى أن غالبية السوريين مضطرة لتناول الخبز الحكومي، رغم الشكاوى المتصاعدة من تدهور جودته، نظراً لعجزها عن شراء الخبز السياحي. هذه الغالبية، التي تكافح لتحصيل الربطة بالسعر المدعوم، من الأفران المكتظة، أو من المُعتَمدين، وتشتكي من أن مخصصاتها من المادة لا تكفي، تترقب اليوم تدهوراً جديداً في معيشتها. وفيما يلمح مسؤولو النظام إلى أنهم مضطرون لرفع السعر بهدف استمرار توفير المادة، يتجاهلون الانتقادات الصاخبة التي توجّه لهم، حول سرّ عدم اعتمادهم مبدأ الدعم النقدي، بدل الإيغال أكثر في دوامة الهدر والفساد الذي ينخر منظومة الدعم الاجتماعي والمؤسسات المرتبطة بها.


وبحسبة بسيطة، ورغم غياب الأرقام الرسمية حول أعداد المشمولين بالدعم، بعد حملة الاستبعاد التي شملت 600 ألف أسرة خلال العام 2022، والتي قالت مصادر رسمية إنها تشمل 15% من الأسر المدعومة، يمكن لنا الاستنتاج، أن عدد الأسر المدعومة المتبقية نحو 3.4 مليون أسرة –على ذمة الحكومة-. وبتقسيم رقم 13 تريليون (رقم دعم الخبز على ذمة الحكومة أيضاً)، على العدد التقديري للأسر المدعومة، يمكن للأسرة الواحدة أن تحصل على دعم نقدي، بدل دعم الخبز، بقيمة تقترب من 320 ألف ليرة شهرياً. وهو رقم يفوق وسطي الأجور في القطاع العام بسوريا. وفي حال تحرير مبيع سعر الخبز، وسحب يد الحكومة منه، ومع قيمة مبيع تقديرية 8 آلاف ليرة للربطة، يمكن للأسرة المدعومة أن تحصل على 40 ربطة خبز شهرياً، بقيمة البدل النقدي. ورغم أن هذه الكمية لا تكفي الحاجة لأسرة من 5 أفراد (كمثال)، إلا أن هذا السيناريو يبقى أفضل من الواقع الراهن، الذي تهدر فيه حكومة النظام تريليونات الليرات –حسبما تُعلن-من دون أن يصل الخبز المدعوم فعلاً، إلى مستحقيه، الذين يضطرون في معظم الأحيان، لشراء الخبز من السوق السوداء، بأسعار أعلى من السعر الرسمي.


أما عن قادم الأيام، وإن اعتمدنا أكثر التوقعات تفاؤلاً، فإن سعر ربطة الخبز المدعوم مع تكلفة المُعتَمد، ستصبح بوسطي 450 ليرة. فيما ستصبح ربطة الخبز الحر، بوسطي 4 آلاف ليرة. وفي حال اعتمدنا مخصصات الأسر المدعومة من الخبز، (نحو 75 ربطة شهرياً لأسرة من 5 أفراد) -وهي الحد الأدنى من الحاجة-، فإذا كانت الأسرة مدعومة، فإنها ستتكلّف نحو 33 ألف ليرة شهرياً على الخبز وحده. أي أن نحو 10% من وسطي الأجور في البلاد. وإن لم تكن الأسرة مدعومة، -وهذا يشمل شريحة كبيرة جداً من السوريين-، فإنها ستتكلف 300 ألف ليرة شهرياً للخبز فقط. أي ما يعادل وسطي الأجور كاملاً. وبذلك يصبح المثل الشعبي: "الراتب ما بكفي خبز حاف"، واقعاً مرّاً يتجرعه السوريون، بالفعل.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها