الأحد 2024/01/21

آخر تحديث: 07:24 (بيروت)

مرسوما الأسد:الدولار، الغاية الأسمى

الأحد 2024/01/21
مرسوما الأسد:الدولار، الغاية الأسمى
increase حجم الخط decrease

بعد أكثر من سنتين من المطالبات بإلغائه أو تعديله، وبعد نحو ستة أشهر من التلميحات الرسمية بدراسة الأمر، أُلغي المرسوم سيء الصيت، رقم 3 لعام 2020، الخاص بتجريم التعامل بغير الليرة السورية، واستُبدل بمرسوم آخر، حمل الرقم 5 لعام 2024. وكما كان متوقعاً، لم يُلغِ المرسوم الجديد، تجريم التعامل بغير الليرة، لكنه خفف نوع العقوبة المنُتظرة للمتعاملين خارج نطاق الحالات المسموح بها. وهي الحالات التي تم تفصيلها بشكل أوضح، مقارنة بالمرسوم السابق. ومن المرتقب أن ينتج عن المرسوم الجديد ارتياح نسبي في أوساط قطاع الأعمال المرتبط بالتجارة الخارجية. لكنه سيبقى سيفاً مسلّطاً على السوريين في قضية لا يمكن لهم التغاضي عنها، وهي البحث عن وسائل لحفظ قِيم أموالهم غير الموجّهة للإنفاق المباشر. 


وبالتزامن، حاول نظام الأسد توجيه ضربة جديدة للسوق السوداء للصرافة والحوالات، بتشديد العقوبات على النشاطات غير المرخصة منها. وبهذا الهدف، صدر المرسوم رقم 6 للعام 2024. ويخدم هذا المرسوم غاية المصرف المركزي في حصر معظم حوالات السوريين بقنواته المُرخّصة، التي من خلالها يجمع القطع الأجنبي. وهي التي باتت قضية حياة أو موت بالنسبة للنظام، الذي أقرّ مسؤولوه في أكثر من مناسبة بأن الحوالات الخارجية هي المصدر الرئيس لتمويل مستوردات البلاد. لكن بعيداً عن مصالح النظام، فإن هذا المرسوم، سيضرّ بشريحة كبرى، تصل إلى نحو 70% من السوريين، الذين يعيشون بفضل الحوالات الخارجية. 


وأما في المرسوم الأول، فأصبح من المتاح للسوريّ المضبوط بتهمة التعامل بغير الليرة، أن يتجنّب السجن، عبر دفع مبلغ تسوية يساوي المبالغ المضبوطة، تؤول لخزينة "الدولة". وفي حال تأخر في التسوية إلى ما بعد صدور حكم قضائي مُبرم، حينها يصبح مبلغ التسوية، ضعف المبالغ المضبوطة. وقد فُصّلت الحالات التي لا يسري عليها المرسوم، وهي الأجنبي غير المقيم أو المستثمر الأجنبي في سوريا، وأعمال التجارة الخارجية، وحيازة القطع الأجنبي. أي أن غاية المرسوم، ضمان بقاء الليرة السورية، عملة التداول الرئيسية، وعدم انتقال حالة "الدولرة" القائمة على أرض الواقع، من نطاق تقييم أسعار السلع والخدمات، إلى نطاق التداول المباشر. ويلبي المرسوم مصالح شريحة من الناشطين في قطاع الأعمال ممن لهم تعاملات خارجية (استيراد، تصدير..). لكنه يبقى خلفية قانونية لنشاط النظام الأمني الهادف لجمع القطع الأجنبي، بأكبر قدر ممكن، وبأي طريقة متاحة. فمعظم الناشطين الاقتصاديين في سوريا، حتى من المستوى الصغير والمتوسط، حريصون على تحويل السيولة المتاحة بين أيديهم إلى دولار، لحفظ قيمتها، ليس فقط بغاية الإدخار على المدى البعيد، بل لإبقاء قِيمة رأسمالهم، مستقرة، بصورة تسمح لهم الحفاظ على موقعهم في النشاط الاقتصادي الذي يقومون به. وهنا، يتعرّض هؤلاء لخطر الملاحقة الأمنية، أثناء تحويل السيولة المتاحة بين أيديهم بالليرة إلى دولار. إذ لا تتيح القوانين والقنوات الرسمية المُرخّصة، وسيلة لشراء الدولار لأغراض غير التجارة الخارجية أو السفر. فيلجؤون للسوق السوداء، وهنا، يصبح من المتاح لأجهزة النظام الأمنية ملاحقتهم. ومع المرسوم الجديد، يعني تخفيف العقوبة من السجن إلى تسوية مالية بالدولار، جرأة أكبر من جانب الباحثين عن الدولار، وبالتالي مصادر دخل أكبر لخزينة النظام وأجهزته الأمنية عبر اقتناص أكبر قدر ممكن من هذه الفئة.


وأما في المرسوم الثاني، فأصبحت عقوبة الناشطين في السوق السوداء، في مجال الصرافة والحوالات، هي السجن ما بين 5 إلى 15 سنة، وغرامة تعادل ثلاثة أضعاف المبالغ المصادرة على ألا تقل عن 25 مليون ليرة. فيما كانت العقوبة سابقاً، السجن ما بين ستة أشهر إلى سنة، وغرامة مقدارها مليون ليرة، وفق القانون الذي كان سارياً، منذ العام 2006. وتشديد عقوبة السجن هنا، يكشف إصرار النظام على تقليص السوق السوداء إلى أدنى حدٍ ممكن. 


وفي ضوء المرسوم الثاني، علينا أن نترقب في مدى زمني قريب، حملة أمنية جديدة، واسعة النطاق، على المتعاملين في السوق السوداء، بالتزامن مع رفع جديد لسعر صرف "دولار الحوالات" الرسمي، لإغراء معظم مستلمي الحوالات على اللجوء لمكاتب وشركات الصرافة المُرخّصة. وهو ما قد ينتج عنه، تحسّن محدود أو استقرار في سعر صرف الليرة السورية، لبضعة أسابيع فقط.


أما على مدى زمني أبعد، فلن تختلف نتائج المرسومين الجديدين، عما شهده السوريون بعد صدور المرسوم السابق، رقم 3 لعام 2020. وهنا، تكفي الإشارة إلى أن الليرة السورية سجّلت أكبر خسارة سنوية لها، في العام 2020، بنسبة تجاوزت الـ 200%، رغم التشديد الأمني على تجريم التعامل بغير الليرة. ومنذ صدور المرسوم السابق قبل ثلاث سنوات وحتى اليوم، ارتفع الدولار من 1000 إلى 15000 ليرة. أي أن تجريم التعامل بغير الليرة لم يحفظ قيمتها. وهو ما سيتكرر بعد المرسومين الجديدين، وهذه المرة، بوتيرة أعلى، حالما ينتهي مفعول الحملة الأمنية المُرتقبة، إذ أن تشديد عقوبات الناشطين في السوق السوداء، سيُقلّص من العروض المتاحة للدولار، وسيزيد من ندرته، مما سيرفع سعر صرفه على حساب الليرة.

 

أما النتيجة الأبرز، المرتقبة للمرسومين الجديدين، فيمكن اختصارها، بتعزيز قدرة النظام على البحث عن الدولار، وحصره في قبضته، وقبضة المقرّبين منه، على حساب الغالبية من السوريين، من المُعتاشين على الحوالات الخارجية، الذين سيخسرون نسبة من القيمة الحقيقية لحوالاتهم، كلما اضطروا للجوء للقنوات المُرخّصة، في ضوء ارتفاع الكُلفة الأمنية للتعامل مع السوق السوداء. 




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها