الثلاثاء 2023/09/19

آخر تحديث: 07:35 (بيروت)

موسكو تستعيد ذكرى مهسا أميني

الثلاثاء 2023/09/19
موسكو تستعيد ذكرى مهسا أميني
increase حجم الخط decrease

لم تكن لتتخيل الفتاة الإيرانية مهسا أميني التي لقيت حتفها في أقبية الأجهزة الأمنية الإيرانية بعد ثلاثة أيام من توقيفها بتهمة إلارتداء "الخطأ" لغطاء الرأس، أنها ستصبح رمز تحركات الإيرانيين ضد نظام الملالي. فبعد أن تمكنت الأجهزة الأمنية أواخر السنة الماضية من قمع إحتجاجات الإيرانيين على قتل أميني، عادت السبت في 16 الجاري لتشتعل من جديد في ذكرى رحيلها الأولى. الإجراءات الأمنية والتشريعية التي استمرت السلطات في إتخاذها بعد قتلها أميني، حالت دون أن تكون الإحتجاجات بزخم سابقتها وشموليتها في داخل إيران، لكنها لم  تحل دون ذلك في معظم مدن الغرب ــــ من واشنطن وباريس وبرلين وسواها غرباً إلى سيدني شرقا. لم يكن من المتوقع أن تسير في مدن المنطقة مظاهرات تأييد للشعب الإيراني، بل يسير أبناؤها في مهاجرهم الغربية بمظاهرات تأييداً لغطاء رأس المرأة وحجابها.  بالتأكيد لعبت الدياسبورا الإيرانية دوراً بارزاً في إحتجاجات المدن الغربية، لكن الغربيين ومعظم العالم لم يعودوا يتقبلون في القرن الحادي والعشرين نظاماً تيوقراطياً يجعل من غطاء رأس المرأة قضية وأداة لقمع شعب بلده، وليس نساءه فحسب. وإصرار الإيرانيين في إحتجاجاتهم الحالية، كما في الخريف الماضي، على شعارهم "النساء ــــ الحياة ــــ الحرية" يقول بأن إحتجاجاتهم تتخطى غطاء رأس المرأة وحجابها، بل هم يرفضون نظام الملالي الذي يعتبرونه معادياً للأقانيم الثلاثة ـــ شرط وجود الحياة واستمراريتها على الأرض. وجسد المرأة والإنسان عموماً قطع شوطا بعيدا في الإنعتاق الكلي من الأصفاد التي راكمها عليه إبن آدم عبر الدهور. ومسيرة الجسد هذه لا تحركها أيديولوجيات وعقائد، بل يحتمها تحرره المتعاظم من الأعباء الفيزيائية والكثير من الذهنية، ويتيح له المزيد من الوقت للإلتفات إلى نفسه والإعتناء بها. وكما لم تتمكن جميع الأديان، على كثرتها وتنوع مقارباتها لمسألة عري الجسد،  من وقف مسيرة تحرره من القيود الفيزيائية والمعتقدات، لن تتمكن من وقفها أوتوقراطية منفردة في زمن الذكاء الإصطناعي الذي لا يزال في بداياته. 

مثل فارسي قديم يقول: شرارة واحدة تكفي لإحراق مئة كون. لكن لا يتوهم أحد بأن الإحتجاجات  السابقة والحالية تجعل ميزان القوى بين الإيرانيين ونظام الملالي يميل لصالح المتظاهرين. لكن خبراء غربيين في الشؤون الإيرانية يرون أن إيران بعد مهسا أميني ليست كما قبلها. 

موقع قناة التلفزة الروسية RTVI التابعة لعملاق البروباغندا الروسية ويخضع للعقوبات الأميركية أيضا، ومع ذلك يتباهى بالبث من نيويورك، ويقول بأنه تابع للمجمع الصناعي الحربي الروسي، نشر في 16 الجاري نصاً وضع في عنوانه شعار المحتجين الإيرانيين المذكور وألحقه بالقول "سلطات إيران تخشى إندلاع إحتجاجات في سنوية موت مهسا أميني". 

يسترسل الموقع في الحديث عن التدابير الأمنية المتشددة التي إتخذتها السلطات الإيرانية تحسباً للإحتجاجات. وينقل عن مصادر معارضة إشارتها إلى تطويق القوى الأمنية منزل أسرة أميني وتحذيرها من الإحتفاء بسنوية مقتل إبنتهم. ويقول بأن الإحتجاجات المقررة ليوم السبت في 16 الجاري كانت قليلة بسبب الإنتشار الواسع للقوى الأمنية في الشوارع. لكنه ينقل عن قناة التلفزة المعارضة Iran International قولها بأن الإيرانيين كانوا عشية سنوية مقتل أميني يطلون من نوافذ منازلهم في طهران ومدن أخرى ويهتفون بشعارات تخليد ذكراها.

صحيفة Kommersant الروسية نقلت عن مسؤول القوى الأمنية في منطقة إذربيجان الغربية الإيرانية رحيم جهانبخش قوله لوكالة إيرنا في 16 الجاري بأنه تم العثور في شبكات التواصل الإجتماعي على137 شخصاً " يدعون الناس لإحداث الفوضى" في المنطقة. ويضيف رحيم أنه تم تحليل صفحات 85 مستخدما للشبكات يحاولون فيها "تضليل الناس وحثهم على أعمال الفوضى". 

تنقل الصحيفة عن مجموعة  Hengaw الإيرانية للدفاع عن حقوق الإنسان قولها بأن القوى الأمنية أطلقت النار على المتظاهرين في مدينة مهاباد الكردية وجرحت "على الأقل" شخصا واحداً. كما تحدثت المجموعة عن إطلاق النار على المتظاهرين في مدينة كرمنشاه أسفر عن عدد من الجرحى. 

كما تنقل الصحيفة عن وكالة فارس شبه الرسمية قولها بأن القوى أصابت رجلا بجروح بليغة في موطن مهسا أميني مدينة ساكيز. وتنقل عن الموقع الإلكتروني المعارض IranWire إشارته إلى أن حريقاً شب في قسم النساء في سجن قرجك في ولاية طهران، تبين أن السجينات قمن بحرق ملابسهن قبل الإعدام، من دون الإشارة إلى ما إذا تم تنفيذ الحكم بهن في اليوم عينه أم لا. 

قناة تلفزة الفاشيين الروس tsargrad لا نتوقف عندها لنستعرض "الحقائق" التي يتضمنها موقعها، بل لنستعرض مقاربة هؤلاء لجميع القضايا الخارجية والداخل الروسي، والتي لا يمكن أن يتقبلها بشري ذو طبيعة سوية. أحد الآباء الروحيين للفاشيين الروس متعددي الآباء، هو العامل في حقل الفلسفة ألكسندر دوغين الذي كان يلقب ب"عقل" كرملين بوتين. وهم ترعرعوا في ظل مهانة روسيا في التسعينات إثر سقوط الإتحاد السوفياتي، كما ترعرع النازيون الألمان في ظروف مهانة ألمانيا إثر فرض شروط  "فرساي"عليها. 

وكما سائر القوميين المتطرفين والفاشيين يرون مؤامرة وراء كل حدث، رأى الموقع بعنوان نصه في  16 المنصرم حول سنوية مقتل أميني والإيرانية التالية بعدها بأسبوع أن تضحيتهن كشفت النقاب عن "إعدادهم" إنقلاباً في إيران. و"هم" هذه تقصد الغربيين بالطبع وعلى رأسهم الولايات المتحدة. 

يرى الموقع أن بعض القوى تستعد لاستغلال تاريخ 16 أيلول في تدبير إنقلاب في البلد الذي طرد الأميركيين، وأصبح من أقوى بلدان العالم عسكريا وإقتصاديا، "وهكذا بلد لا يمكن للغرب أن يسمح بوجوده". ويعتبر أن نشاط المعارضة الإيرانية الموالية للغرب أصبح صفراً، إذ "أن الشعب تعب من إحداث الضوضاء"، ولذلك الرهان الآن على الحرب الإعلامية. لكن مبالغ الأموال الكبيرة التي يوظفها الغرب تفترض عائداً. إضافة إلى ذلك، التقارب المنهجي بين إيران وروسيا يثير غضباً حقيقياً لدى الولايات المتحدة وحلفائها، وبالتالي "سيكون أيلول/سبتمبر حاراً جدا في إيران". 

يروي الموقع تفاصيل سردية النظام الإيراني عن موت أميني، والتي تقول بأن الفتاة لم تمت تحت التعذيب، بل نتيجة معاناة من مرض مزمن بالقلب أكدته أسرتها. وينتقل إلى الإحتجاجات التي أعقبت الكشف عن موت أميني، ويستعرض الشعارات السياسية والمطالب الإثنبة التي رفعها المحتجون، ويؤكد أن مركز الإحتجاجات أصبح مدينة تبريز التي تسكنها غالبية أذرية. ومن المعروف، برأيه، أن لإسرائيل ومخابرتها التي "تكره إيران" نفوذاً كبيراً في أذربيجان.

ينقل عن المستشرقة كارينه كيفوركيان قولها بأن "الإرتداء الخطأ لغطاء الرأـس ليس أبداً" سبب إحتجاجات السنة الماضية، بل أمر من الخارج. وترى المستشرقة أن كل ما جرى الخريف الماضي يهدف لتقويض الإستقرار الداخلي في إيران ومسرحية وضعت من أجل الإعلام الغربي. وتقول بأنه يكفي أن نشاهد أشرطة الفيديو عن إيران لنقتنع بأن نصف النساء الإيرانيات يرتدين غطاء رأس من الشاش، ولا يتعرضن للضرب من أجل ذلك، كما لا وجود لشرطة الأخلاق في هذه الأشرطة. 

المرور على ذكر"ميدان كييف" لازمة في معظم نصوص الإعلام الروسي الموالي للسلطة حين يتحدث عن إنتفاضة شعب ما ضد المتسلطين على رقابه. فبعد أن يتوقف الموقع عند مقتل الفتاة الثانية بعد أميني، يقول بأن السلطة لم تكن بحاجة لرمز آخر للإحتجاجات. ويستنتج من ذلك بأن "الطرف الآخر" وقف وراء قتل الأذرية حديث النجفري، و"كيف لا نتذكر هنا "القناصين المجهولين" في "ميدان كييف".




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها