الإثنين 2023/09/18

آخر تحديث: 07:53 (بيروت)

مهمة استقصائية في عيادة خالية

الإثنين 2023/09/18
مهمة استقصائية في عيادة خالية
أثار الملصق تساؤلات الرجال الذين فتشوا العيادة
increase حجم الخط decrease

للأمانة، فقد قامت صفحة "همسات لبنانية" الإعلامية بواجبها الاستقصائي بمهنية وحرفية عاليتين. مراسل ورجل بقبعة، وثالث بهيئة محقق شرطة ثاقب البصيرة، دخلوا عيادة مقفلة في مستشفى في طرابلس، ترافقهم طبيبة من المستشفى لتشرح لهم عن محتوياتها.
لحظة دخولهم انتشر الرجلان، ذو القبعة وثاقب البصيرة، في أرجاء المكان يفتحان الخزائن ويقلبان الأوراق على الطاولات ويحدقان في الملصقات على الجدران. المراسل، في هذه الأثناء بدأ باستجواب الطبيبة ليعرف ما إذا كانت العيادة تدعم المثليين كما جاء في موقع "الدولار ألف وخمسمية" (الإعلامي؟). لا تفهم الطبيبة كيف يمكن "دعم" المثليين في عيادة، لكنها تشرح، مع ذلك، بهدوء معلمة في روضة أطفال، أن المكان مخصص للصحة الإنجابية والجنسية. هذا بينما يكتشف ذو القبعة واقيات ذكرية فيهرع بها إلى الطبيبة ليسألها عن سبب وجودها في العيادة. ثاقب البصيرة يُفاجأ بعبارة "العادة عادي"، على الملصق ويذهب ذهنه بعيداً إلى أن العيادة تدعم ممارسي العادة السرية، لكن الطبيبة تشرح أن المقصود هو الدورة الشهرية. لن يقتنع على حال، وسيعرب عن شكوكه في آخر الفيديو بأن الشباب قد يكون مقصوداً بهذه العادة التي يبدو أنها على سريتها تعدُّ دخيلة على عادات اللبنانيين سريّة كانت أم علنية.
يستمر الفيديو 18 دقيقة ولا يتوقف للحظة عن إثارة الدهشة. الرجال الثلاثة ليسوا سذجاً طيبي القلب حتى تمر المؤامرة التي في العيادة كالمياه من بين أرجلهم. لا. ها هم يكتشفون ألواناً على كتيّب هنا، ومزيداً من الواقيات هناك. ومن ثم يقبضون على اسم الجمعية المسؤولة عن العيادة والتي لا دخل للمستشفى بها. في عملهم الاستقصائي اللحظوي يرتجلون. يرسلون اسم الجمعية إلى طرف مجهول ويجيبهم، يستعينون بخدمة الترجمة في غوغل ليفهموا شرح الجمعية عن نفسها. يعودون إلى الطبيبة طارحين المزيد من الأسئلة، وفي لحظة تضطر للجوء إلى قسم أبقراط بينما تفلت أعصاب المراسل منه والله وحده يعلم ما الذي قد يفعله مراسل "همسات لبنانية" إذا أفلتت أعصابه منه.
مر الفيديو المباشر عبر فيسبوك على خير لأن الرجال حافظوا على ربطاة جأشهم. وخصصوا الفقرة الأخيرة من الوثائقي الاستقصائي للاستنتاجات، حيث لخص ذو القبعة الأمر بأن العيادة ليست تابعة للمستشفى بل للجمعية، وأنهم لم يجدوا فيها ما يدعم المثليين كما جاء في موقع "دولر بألف وخمسمية"، لكنها قد تعالج المثليين، وبما أن لا أحد من الجمعية حاضر الآن، فإن "همسات لبنانية" سيعود يوم الإثنين لمزيد من الاستفهام.
ذو البصيرة، وكما عودنا دائماً، أي منذ ربع ساعة من عمر الفيديو، ذهب أعمق من زميليه. استنكر وجود واقيات في العيادة في طرابلس مدينة العلم والعلماء. "مسخرة" قال، مع أنه لا شك يصادف هذا المنتج كلما دخل إلى صيدلية على أراضي الجمهورية. لاحظ المراسل امتعاضه فطرح السؤال الصعب الذي سيبقي الفيديو مفتوحاً على جزء ثانٍ: يعني هناك علامات استفهام؟ فيجيب هذا بحسرة ممزوجة بالتحدي والعزيمة: "كثيرة.. كثيرة".
الإثنين لناظره قريب، إذا تجرأ أعضاء الجمعية، أو من كان لديهم مواعيد مسبقة، ذكوراً وإناثاً، على التوجه إلى العيادة. هؤلاء هجموا على مستشفى بهواتفهم، وسمحت لهم الإدارة بالتصوير في أروقتها ودخول إحدى عياداتها وتفتيشها بأيديهم العارية التي حملوها معهم من الشارع، خوفاً على سمعة المكان وعلى سلامة الحجر والبشر فيه. فلو أن "همسات لبنانية"، أو لا سمح الله موقع "دولر ألف وخمسمية"، مُنعا من دخول مكان من المفترض أن يقدس خصوصية مرتاديه بالدرجة نفسها لتقديس حياتهم، ما كان أحد ليتوقع عواقب غضب اللبنانيين. الفيديو ليس حالة نافرة بالطبع، بل هي في صميم السياق العام لهستيريا اللبنانيين المتفاقمة التي يقودها بنجاح كبير وزير الثقافة محمد المرتضى وخلفه مجموعة من زعماء الطوائف وكبار رجال أديانها. اللبنانيون غاضبون وفي حالة فقدان اتزان جماعي تجعل مجانين مسرحية "فيلم أميركي طويل" العقلاء الوحيدين في البلد.
معذورون. فالمؤامرة التي يفرضها الغرب بالترويج للمثلية في لبنان كبيرة. الغريب أننا نواجه هذه المؤامرة بمؤامرة ثانية صنعها الغرب اللعين ذاته وفرضها علينا. الآن بات بإمكان الجميع الاستقصاء والتهويل ونشر الرعب وتهييج الأشجان مباشرة على هواء السوشال ميديا. و"همسات لبنانية" نموذج لكيف نلبنن كل ما يقع تحت أيدينا، فنخلط الهراء بالنظريات بالنفاق بالشطارة. "همسات لبنانية"، مثلاً، التي تحصد مئات آلاف المشاهدات من خلال التهجم على المثليين، أو إعلان حرب لا هوادة فيها على الكوميدي نور حجار، تسجل في فيسبوك، لتنال رضاه وتزيد في انتشارها، أنها مملوكة من كل من: نساء. أشخاص من إثنيات متعددة. عسكريين متقاعدين. ذوو حاجات خاصة، أقليات، ومجتمع +LGBTQ.
أجل. المصطلح بأحرفه كلها وفوقه علامة الزائد. ذو البصيرة لم يجتهد في تفتيش الصفحة اجتهاده في نبش العيادة. لم ينتبه أيضاً، إلى الإيحاءات الجنسية في اسم الصفحة والذي يتخطى بمراحل "العادة عادي" أو الواقي الذكري. همسات لبنانية! عيب، والله العظيم عيب!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب