الجمعة 2023/07/07

آخر تحديث: 20:52 (بيروت)

خلافة عباس تمرّ في جنين

الجمعة 2023/07/07
خلافة عباس تمرّ في جنين
increase حجم الخط decrease

قد تبدو أحداث جنين، أكان لجهة عمليات الفصائل الفلسطينية أو الاعتداءات الإسرائيلية، منفصلة عن مسار السياسة الفلسطينية، لكنها بالواقع في صلب المعادلة. الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الـ87 من عمره، ويقود منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة وحركة "فتح" في آن، ولا خليفة واضحاً له، رغم تردد أسماء من حسين الشيخ لمحمود العالول وجبريل الرجوب، إلى الأسير مروان البرغوتي. صحيح أن الرجل بتاريخه وعلاقته بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لا منازع له الآن داخل هذه المؤسسات، إلا أن العمل المسلح في الضفة الغربية وبالتنسيق مع قطاع غزة وحزب الله في لبنان، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، تُضعف السلطة الفلسطينية وتدفع بها للاهتراء وفقدان قيمتها الكلية. 

بيد أن السلطة الفلسطينية حفرت دوراً لها عبر التقاء مصلحتين. الأولى تتمثل بتحقيق نمو اقتصادي طفيلي يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية إما عبر المؤسسات الرسمية نفسها أو من خلال الجمعيات المتكاثرة. الثانية كانت التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي لمساعدته على احتواء أي نشاط غير مرغوب فيه، مقابل تسهيلات اقتصادية ومالية، وطقوس مفاوضات سلام لا مغزى لها على الإطلاق.

لكن التحول باتجاه العمل المسلح في الضفة الغربية، وخارج نطاق قدرة حركة "فتح"، ينسف المصلحتين. 

لم يعد النشاط المالي والاقتصادي كافياً مع العنف وأيضاً مستوى الفساد في السلطة. للكفاح المسلح ديناميته القادرة على إعادة تشكيل نمط الحياة في الضفة الغربية، وبشكل خارج عن سيطرة السلطة وقدرتها على التحكم بمسار الأمور.

وفي ظل الاعتداءات الإسرائيلية المصحوبة بعقاب جماعي للفلسطينيين، لن تقدر السلطة الفلسطينية على مواصلة التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، وهذا بات واضحاً حتى قبل الإعلان الرسمي لذلك. السبيل الوحيد أمام السلطة الفلسطينية بالمرحلة المقبلة، هو اللحاق بالعمل المسلح، رغم أن ذلك مستبعد لعدم امتلاكها القدرة التنظيمية أو البنية التحتية لذلك.

في ظل هذا الواقع التنظيمي الصعب، وتلاشي جدوى السلطة الفلسطينية، وربما تحولها إلى عبء في حال معاودة التنسيق الأمني والدخول في طقس جديد من مفاوضات السلام، علينا طرح سؤال ماذا سيبقى من هذه المؤسسات الفلسطينية برمتها؟ والإجابة ستكون: القليل.

كان التفاوض الإسرائيلي برعاية أميركية مع الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، مبنياً على أساس قدرته على فرض بنود أي اتفاق على بقية الفصائل، لا بل قمع كل من يرفض النتائج، كما حصل مثلاً مع حركة "حماس" لسنوات عديدة. وإذا كانت الحركة وحلفاؤها من "الجهاد الإسلامي" والفصائل والمجموعات الجديدة، هي من يملك مفاتيح الحل والتصعيد في الضفة الغربية وأيضاً في قطاع غزة ومخيمات لبنان وتحظى بتأييد فلسطينيي الشتات، ما الفائدة الإسرائيلية من التفاوض مع السلطة؟ الواقع أن الجدوى الوحيدة للسلطة هي إظهار عجزها وضعفها كشريك سلام غير متوافر، وأيضاً للتنسيق الأمني على الأرض ومساعدة الاحتلال على إدارة الفلسطينيين. والقدرة على تنفيذ هاتين المهمتين لم تعد بالمستوى ذاته.

والأهم أيضاً أن السلطة تجد نفسها تدريجياً خارج السياسة. كان عرفات قادراً بعد الانتفاضة الثانية على مواكبة التحول الفلسطيني، لكن عباس عاجز عن ذلك، لا بل بات لا يملك حتى شرعية العمل السياسي، وقد دخل في السنة ال17 من رئاسته، رغم انتخابه لولاية مكونة من أربع سنوات فحسب. السلطة ستُمضي بعد سنوات قليلة، عقدين كاملين دون انتخابات لمؤسساتها. هي فاقدة للشرعية والشعبية في آن، ولكنها مع الكفاح المسلح في الضفة الغربية والتنسيق بينه وبين قطاع غزة، تدخل نفقاً لا يبدو أنها مستعدة للخروج منه. 

الحقيقة أن معركة خلافة محمود عباس لن تبدأ مع وفاته، بل الأرجح أنها انطلقت الآن من مخيم جنين حيث يُصنع مسار مختلف للسياسة الفلسطينية وقيادتها.





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها