الجمعة 2023/06/23

آخر تحديث: 07:25 (بيروت)

لحرب الضفة قبطان

الجمعة 2023/06/23
لحرب الضفة قبطان
increase حجم الخط decrease

ليست أحداث الضفة الغربية والعنف الحاصل فيها على الهامش، بما أن التغطية الإعلامية تضاءلت عما كانت عليه، لا بل قد تُمثل حالة تأسيسية على المستويين الفلسطيني والعربي لجملة أسباب. 

أولاً، ما يحدث في الضفة تحول في السياسة الفلسطينية باتجاه الكفاح المسلح وتقويض قدرات حركة "فتح"، ومن الصعب فصله عن معركة خلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس كذلك. صحيح أن خلافة "فتح" موضوع يُبحث اليوم على مستوى قادة الأجنحة المختلفة فيها، ومواقع نفوذهم وعلاقتهم مع الجانب الإسرائيلي والدولي، إلا أن هذه الصورة باتت غير مكتملة وربما غير مؤثرة أيضاً. وهنا لا بد من الإشارة إلى صعود مجموعات جديدة في الضفة، تعمل سراً وبات لديها سجل وشعبية بين السكان واللاجئين، علاوة على دور حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس". وهذه القدرة على المبادرة خارج أطر حركة "فتح" التقليدية، ترسم خريطة طريق لما سيأتي في الساحة الفلسطينية. 

ثانياً، وبشكل متصل بالنقطة الأولى، ليس الدور الإيراني هامشياً هنا بل في صلب هذا التحول، بما ينعكس نفوذاً مستقبلياً في ساحة تُمثل بأقل الأحوال بوابة شعبية في المنطقة العربية بأسرها. إعادة صياغة حركة كفاح مسلح جديدة على الساحة الفلسطينية، قادرة على تحريك المياه الراكدة على الساحة العربية، وصياغة شكل الحراك السياسي فيها، وهذا ليس بالهين.

ثالثاً، ليست الساحتين الفلسطينية والعربية (المعارضة غالباً) وحدها في طور انتقالي، بل كذلك هناك الإسلام السياسي والجهادي الذي خرج أخيراً من هزيمتين، الأولى لفروع الاخوان في دول عربية مختلفة، والثانية لتنظيم "داعش" أو "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، علاوة على نكبة "القاعدة" في أفغانستان. وهذا ليس تياراً هامشياً، بل لديه جذور ثقافية وشبكات دعوية في المنطقة، وبالتالي هو حالة قابلة لإعادة الإحياء بأدوات جديدة ودعم مختلف رغم الفشل السياسي والشعبي خلال السنوات الماضية. لهذا علينا أيضاً النظر الى العمليات الأخيرة لناحية تأسيسها لحالة إسلامية جديدة أيضاً.

لكن النقطة الأخيرة هنا على ارتباط برد الفعل المعاكس، إذ لا يُمكن التفريق بين العمليات في الضفة الغربية، من جهة، وبين اعتداءات المستوطنين وعقابهم الجماعي على الفلسطينيين وبمواكبة من الجيش الاسرائيلي، من جهة ثانية. تتبلور اعتداءات المستوطنين المسلحين على الفلسطينيين بشكل لا يُمكن وصفه سوى تمارين على موجة تهجير جديدة.

في نهاية المطاف، التهجير مشروع سياسي ليمين متشدد صار شريكاً في الحكومة والسلطة السياسية وفي القرار الأمني أيضاً. موضوع تهجير الفلسطينيين وتعديل "الخلل" الديموغرافي كان أساسياً في صعود قوى اليمين ممثلاً بوزيري المال والأمن الداخلي، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، تباعاً، وفي صوغها خطابها. لهذا فإن العمل على تسليح المستوطنين وتعزيز قدرتهم على مهاجمة المدنيين العزل يصب في هذا الخيار. بحسب منظور هؤلاء، لن تقدر قوة نظامية على طرد الفلسطينيين، بل يكمن الخيار الأنسب في تأسيس ميليشيات المستوطنين وتعزيز دورها بالمرحلة المقبلة في موازاة المؤسسة الأمنية والعسكرية. ولهذا الخيار أو المسار، انعكاساته السلبية على العلاقات الخارجية لإسرائيل المنقسمة على نفسها داخلياً ووسط ارتفاع لوتيرة النقد لها ولسياساتها مع محاولة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو احتواء السلطة القضائية. 

بغض النظر عن نجاح طرف من عدمه، يبقى أن هذه حلقة مفرغة من الصعب أن تؤدي الى نتيجة سياسية، على هيئة تفاوض أو حلول متوسطة الأمد، بما أن التنظيمات المبادرة فيها أكثر عقائدية، وأقل ميلاً للمساومة. ولكن ستكتشف الفصائل الفلسطينية كما فعل غيرها، أن لا نهايات لهذا النفق، بل غايات منها تمهيده لتحول جذري في المنطقة، ولو اتسم بالبطء. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها