الجمعة 2023/05/19

آخر تحديث: 19:34 (بيروت)

لا تتفاءلوا بالانقسام الإسرائيلي

الجمعة 2023/05/19
لا تتفاءلوا بالانقسام الإسرائيلي
increase حجم الخط decrease

لو أردنا تحديد المسارات الأساسية بالمنطقة، من التداعي الاقتصادي على مستوى شمال افريقيا والمشرق واليمن والسودان، إلى الحروب والنزاعات والاحتلال الأجنبي في أكثر من بلد، جميعها مدعاة للتشاؤم للجميع، سوى أن هناك من يتفاءل بالوضع الداخلي الإسرائيلي كونه يشهد تدهوراً باتجاه المزيد من الانقسامات والتشظي على المستوى السياسي، وبين قطاعات مهمة من المجتمع.

عربياً، الاقتصادات العربية غير النفطية جميعها في مأزق، أكان لجهة أزمة الديون العامة وارتفاع أكلافها على الخزينة دون ضوء نمو في آخر النفق، أو لناحية انخفاض النمو أو سلبيته في بعض الأحيان. ذلك أن من يُدير دفة أغلب هذه الاقتصادات العربية تنقصه الكفاءة والإرادة السياسية لتنفيذ إصلاحات مطلوبة رغم كونها مكلفة شعبياً. التخبط هو العامل المشترك بين أغلب من يدير الاقتصاد في منطقتنا. من الصعب إطلاق عجلة النمو دون حوكمة عادلة في القطاع الخاص، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة دون هيمنة سياسية أو محسوبيات. خلاصة القول إن المطلوب في اصلاح الاقتصادات العربية لا يندرج ضمن التركيبة الجينية للحكومات العربية، وجُل تركيزها هو على جمع النفوذ وإزالة التنافس السياسي بأي ثمن.

هذا على مستوى الاقتصاد. على مستوى حل النزاعات، لا يوجد مسار واضح للمصالحة والحلول السياسية والوساطات المحايدة. وما يزيد من المأزق العربي في هذا المجال، أن تركيبة العلاقات الدولية تتبدل مع تداعي الأحادية الأميركية السائدة مع أولى علامات انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية ثمانينات القرن الماضي. ولأن النظام العالمي الجديد ما زال طور التشكل، مع أدوار جديدة لقوى إقليمية متوسطة الحجم، ودور صيني منافس لذلك الأميركي، فإن الاستقرار ليس عنواناً بالمرحلة المقبلة. في العالم المتعدد الأقطاب، النزاعات أكثر احتمالاً من الاستقرار، رغم كونه في صلب استراتيجية الصين على مدى العقود الماضية.

عدد النزاعات التي شاركت فيها تركيا وايران وروسيا خلال السنوات الماضية الى ارتفاع من آسيا الوسطى الى أوكرانيا الى المشرق والخليج العربي ومناحي عدة من افريقيا، شمالاً وشرقاً ووسطاً. وصل الأمر بأن يتفق الرئيسان التركي والروسي رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين على وقف اطلاق نار في بلدين عربيين في آن (سوريا وليبيا). أليست هذه من علامات انعدام الاستقرار في منطقتنا؟ ذاك أن من يرسم حدود نفوذه، لا يُمكنه الاعتماد على الدبلوماسية فحسب، بل على مزيج من الحرب والسياسة. وعنوان النزاعات هذه الأيام ليس الجيوش فحسب، بل الميليشيات والمرتزقة، وهذان لا يتفقان غالباً مع مساعي الاستقرار.

وهذه الوقائع والمسارات في منطقتنا لا تنفصل عن الوضع الإسرائيلي الداخلي والانقسامات فيه بين اليمين المتطرف وبقية القوى. ومعارضو الاحتلال، ممن يتفاءلون اليوم بهذا الانقسام، يُخطئون الحساب لأن أساس هذا التشظي هو صعود لقوى ترغب في تبديل ديموغرافي سريع عبر طرد الفلسطينيين أكانوا من حملة الجنسية الإسرائيلية، أو من أهالي المناطق المحتلة في الضفة الغربية.

وما يحصل في السياسة الإسرائيلية، لجهة رفع حصة اليمين المتشدد من الموازنة، أو الإمساك بوزارات أمنية حساسة، يزيد من قوة هذا الفريق ولا يُضعفه، يُسلحه بالمال والعتاد ويخلق واقعاً لا دولتياً من الصعب السيطرة عليه. 

لهذا من الصعب التفاؤل حتى بالانقسام الإسرائيلي، والتشظي الواضح اليوم يُخفي صعوداً لقوى إجرامية من الأفضل أن تسقط حتى لو كان بين خصومها أعداء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها