الإثنين 2023/05/15

آخر تحديث: 07:31 (بيروت)

عهد الـ"زومبي"

الإثنين 2023/05/15
عهد الـ"زومبي"
increase حجم الخط decrease

لو أردنا رسم ملامح الحياة السياسية بعد انتخاب الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، لن نجد صورة أكثر تعبيراً من الـ"زومبي"، أي العائدين من الموت أو الأموات الأحياء. الأموات الأحياء ممن جُرّدوا من وعيهم ويسيرون غير مبالين بما يعترض طريقهم ويُقطّع أوصالهم ويصنع عثراتهم الكثيرة.

مثل هذا العهد، لو قيض له أن يكون، سيُعيد إحياء الكثير من أموات "السياسة اللبنانية". 

أولاً، فرنجية مرشح أقطاب السلطة اللبنانية. حتى لو ما زال هؤلاء في مواقعهم، شهدت قدراتهم على الاستمرار تشظياً، مع قطاع عام مهترئ وقواعد تستمد قوتها من ضعف الخيارات البديلة، وليس القدرة على توزيع الريع والمغانم من مؤسسات الدولة. 

وانطلاق عهد من هذا الصنف يعني حتماً إحياء المنظومة عينها وأساليبها وصفقاتها. حتى التناقضات السابقة خلال عهد الرئيس السابق ميشال عون، ولو كان هدفها الصفقات وفرض بعض التعيينات، ستتبخر، وسيحل مكانها انسجام لم تألفه السياسة اللبنانية منذ خروج القوات السورية عام 2005.

وهذا الميت الثاني الذي سيستيقظ. ليس المقصود هنا أن فرنجية سيُعيد دوراً سورياً، وهذا لا يبدو ممكناً بما أن الأولوية لدى نظام بشار الأسد، تكمن في تعزيز قدراته الداخلية وعلاقاته الإقليمية، وربما التوسع شرقاً باتجاه الموارد النفطية والزراعية والاستفادة من الخلاف التركي-الأميركي في شمال شرقي البلاد.

المقصود هنا هو استعادة سلوكيات النظام اللبناني أيام الوصاية السورية. وهذا متصل اولاً بأن وفود فرنجية سيعني اكتمال نصاب هذه الأسرة وجلوسها مجتمعة على طاولة السلطة. هذا الانسجام على هذا المستوى سيعني حتماً تضييقاً أو محاولات تضييق للفجوات المفتوحة في النظام اللبناني نتيجة التناقضات السابقة والتحديات من المجتمع والنزاع الإقليمي الحاد. ثانياً، وهذا ربما سبب مضمر لاستعادة سلوكيات الوصاية في الداخل اللبناني، مات النظام القديم القائم على توزيع الوظائف والخدمات الحكومية على المريدين والأنصار. إذا لم يكن الريع طريقاً إلى الولاء، ولا أضواء في نفق مثل هذه الطبقة السياسية وأركانها، من الضروري إحكام اغلاق نادي السياسة اللبنانية بأساليب مختلفة تتراوح من العنف للسيطرة التامة على القضاء، إلى ربما تعديل مستقبلي في قانون الانتخابات، ذاك أن النسبية بصيغتها الحالية لا تتوافق مع مثل هذا الصنف من السياسة.

من الصعب الآن لكثيرين تخيل هذا التحول الكبير بالمرحلة المقبلة، لكن وعود فرنجية في ملف اللاجئين السوريين، تضمر علاقات مميزة مع النظام السوري، وممارسات أمنية، وهذه قد تخلق مُجتمعة ديناميات في اتجاهات أكثر سلطوية وأقل تسامحاً. 

على سبيل المثال، يفترض التعاون الأمني مع النظام السوري تحت شعار إعادة اللاجئين، إدارة مختلفة للفضاء العام وتناول النظام السوري (ورأسه) فيه. التضييق على الحريات سيندرج حينها تحت عنوان الحفاظ على العلاقة مع دولة مجاورة، أو أولوية عودة اللاجئين (وهذه عملية قد تستغرق سنوات طويلة من الاعداد والتنفيذ لو بدأت).

ومن شأن عودة فرنجية كذلك أن تُعيد مجموعة المتعهدين الكبار للعمل بمشاريع كبرى، ربما بواجهات أخرى. ذاك أن الرجل يُمثل تقاطعاً لشبكات المحظيين، ولا بد أن يُؤسس وجوده لعودة هؤلاء إما من خلال احتكارات جديدة في الاستيراد وإعادة تكوين القطاع المالي. 

خلاصة الأمر أن مثل هذا العهد سيُعيد احياء أموات كثر، رغم أدواته الضعيفة نسبة للعقود الماضية. بيد أن ترهل أدوات أقطاب السلطة نتيجة انهيار الدولة ومواردها واقتصادها، يُعوّضه ضعف البديل ودور "حزب الله". وفرنجية، لأسباب عديدة ، يُمثل لكثيرين طوق نجاة لم يكن في الحسبان.





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها