الأحد 2023/03/19

آخر تحديث: 08:22 (بيروت)

لا اقتصاد في زيارة الأسد إلى موسكو

الأحد 2023/03/19
لا اقتصاد في زيارة الأسد إلى موسكو
increase حجم الخط decrease

على صعيد الاقتصاد، كانت حصيلة زيارة رأس النظام السوري، بشار الأسد، إلى موسكو، صفراً مكعباً. إذ اصطحب الأسد برفقته، وزيرَي المالية والاقتصاد ورئيس هيئة تخطيط الدولة، مراهناً على نتائج اقتصادية ملموسة من زيارته، وفق ما أعلن خلال اللقاء البروتوكولي له، مع فلاديمير بوتين، ومسؤولي إدارته. لكنه عاد إلى دمشق، خالي الوفاض.

وفي تصريحاته للإعلام الروسي، كان حديث الأسد عن الاقتصاد، عاماً وينقصه اليقين. إذ تحدث عن اتفاقية سيتم توقيعها، تتناول 40 مشروعاً استثمارياً محدداً. لكنه لم يحدد أياً منها. ورفض الحديث عن القيمة التمويلية للاتفاقية المزعومة، متذرعاً بأن الأهداف أهم من الأرقام، في تشبيه يناسب لغة البروباغندا، لا لغة الاقتصاد. ومما يؤشر أكثر على فشل مسعى فريقه الاقتصادي، أن الاتفاقية المزمعة لم تُوقّع خلال زيارته، كما يُفترض أن يحدث في زيارات رؤساء الدول التي تكون تتويجاً لمناقشات اللجان المختصة. ووفق تصريحات الأسد، فقد استغرق العمل على هذه الاتفاقية، "سنوات، وليس شهوراً". لكن العمل المكثّف كان خلال الأشهر الأخيرة، حسب وصفه. ورغم أن الزيارة كان مخططاً لها، منذ ما قبل الزلزال، –أي قبل أكثر من شهر ونصف-، إلا أن ذلك لم يكن كفيلاً بالوصول إلى حصيلة نهائية للمفاوضات حول الاتفاقية، بحيث أُرجئ توقيعها إلى وقت لاحق، "خلال أسابيع"، وفق الأسد أيضاً.

وبالانتقال إلى لقاءات الفريق الاقتصادي المرافق له، ووفق عرضٍ نشرته وكالة "سانا" الناطقة باسم النظام، لم يكن الأمر أفضل حالاً، من تصريحات الأسد. إذ طُبعت نقاشات المسؤولين السوريين والروس بالعمومية وعدم اليقين أيضاً. ورغم أن "سانا" تحدثت عن حضور مديري وممثلي كبريات الشركات الروسية "الصديقة"، إلا أنه لم تكن هناك أية اتفاقيات، أو مقدمات لاتفاقيات. إذ عرض المسؤولون السوريون لنظرائهم الروس، الفرص الاستثمارية "الواعدة" في سوريا، وناقشوا معهم آليات تعزيز التبادل التجاري وانسياب المنتجات في أسواق البلدين، وبحث السبل الممكنة لاستخدام عملتي البلدين لتسهيل عمل المصدّرين والمستوردين. 

وإن كان عرض "سانا"، قد أشار إلى مناقشة " وثائق عديدة وصيغ تعاون"، بعد أن "تم وضع اللمسات الأخيرة عليها من قبل الجهات واللجان المعنية"، إلا أن حالة عدم اليقين لم تغب، إذ قال العرض الصحافي للوكالة، إن تلك الوثائق "من المزمع توقيعها قريباً". وهو ما يطرح إشارات استفهام حول طبيعة صيغ التعاون والوثائق هذه، التي تطلبت سنوات من التفاوض، وأشهراً من التحضيرات واللمسات الأخيرة، وتتطلب أيضاً، أسابيع أخرى، لما بعد اللمسات الأخيرة، قبل التوقيع المزعوم!

قد نجد إجابات شافية نسبياً في الأرقام، التي رفض الأسد التطرق إليها. ففي عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين سوريا وروسيا، خلال أول 9 أشهر، حوالي 185 مليون يورو. وبناء على هذا المؤشر، نستطيع أن نقول إن مجمل الرقم –سنوياً- نحو 250 مليون يورو. وبالاستناد إلى إشارة بوتين، في لقائه مع الأسد، إلى أن حجم التبادل التجاري زاد بنسبة 7% في العام الماضي، نستطيع القول إن حجم التبادل التجاري بين سوريا وروسيا، عام 2022، كان حوالي 270 مليون يورو. أي نحو 290 مليون دولار أمريكي. فهل هذا يمثّل إنجازاً حقاً، كما أوحى تصريح بوتين؟ الجواب، لا. بل انتكاسة. وذلك بالإحالة إلى أرقام رسمية روسية، قالت إن التبادل التجاري بين سوريا وروسيا، بلغ في النصف الأول من العام 2018، فقط، نحو 226 مليون دولار. أي أن التبادل التجاري نصف السنوي، قبل أربع سنوات، كان نحو 75% من حجم التبادل التجاري السنوي، في العام الفائت. أي أن التبادل التجاري بين البلدين، يتراجع، مع استقرار المشهد السياسي والميداني في سوريا. وكذلك فإن، الـ 290 مليون دولار المُنجزة مع سوريا – العام الفائت-، هامشية للغاية، بصورة لا تُذكر، مقارنة بأكثر من 700 مليار دولار، هو حجم التجارة الخارجية الروسية، وفق أرقام العام 2021.

لكن الأهم من كل ما سبق، هو أن الميزان التجاري بين البلدين، راجح بشدة لصالح روسيا. فمعظم الـ 290 مليون دولار تلك، هو قمح. فسوريا تستورد 1.5 مليون طن سنوياً، معظمها من روسيا، وسعر طن القمح الروسي، كان في نهاية العام الفائت، نحو 360 دولاراً.

وتكشف العودة إلى أرقام رسمية لعام 2011، بصورة أكبر، حجم التراجع في التبادل التجاري، ومدى خسارة سوريا في الميزان التجاري مع روسيا. فقد كان حجم التبادل التجاري قبل 12 عاماً، 1.978 مليار دولار. منها، 48.9 مليون دولار فقط، صادرات سوريّة، مقابل 1.92 مليار دولار، مستوردات روسيّة.

لماذا فشل الفريق الاقتصادي المرافق للأسد في تحقيق إنجاز يُذكر؟ قد نجد جواباً في مثالٍ قريب، حينما فسخت شركة بيمانير الإيرانية عقداً مع وزارة الكهرباء السورية، لإعادة تأهيل محطة "محردة" الحرارية لتوليد الكهرباء في ريف حماة، بعد أن وجدت أن الأسعار المتفق عليها ستُلحق خسائر كبيرة بها. العقد الذي كان بقيمة 115 مليون دولار، نص على أن تسدد الجهات السورية مقابل هذا المبلغ، "فوسفات خام". لكن الشركة الإيرانية تراجعت لاحقاً، متذرعة بـ "المتغيرات السعرية المتسارعة". التجربة ذاتها حدثت قبل ذلك أيضاً، مع شركة "آر بي آر سي" التابعة لوزارة الطاقة الإيرانية، والتي وقّعت عقداً استثمارياً لإعادة تأهيل محطة كهرباء حلب الحرارية بقيمة نحو 132 مليون دولار. وبعد أن أهّلت بالفعل، المجموعة الخامسة التوليدية للمحطة، كان من المفترض أن تقوم بتأهيل المجموعة الأولى ضمن ذات العقد، بنهاية العام الماضي. وهو ما لم يتحقق. 

في الحالة الروسية، يصعب على الجهات الرسمية السورية أن تدفع "فوسفات" لقاء أنشطة الشركات الروسية في إعادة تأهيل منشآت الطاقة المتهالكة. فروسيا تحظى باحتكار أكبر خزانات الفوسفات وأكثرها احتياطاً في سوريا (الشرقية وخنيفيس)، لنصف قرن، وتقوم بتصدير مخرجاتها، لدول أوروبية، عبر مرفأ طرطوس المُحتكر من جانبها أيضاً، لنحو نصف قرن.

باختصار، لا تملك سوريا ما يمكن أن تدفعه لقاء ما تحتاجه من مشتقات نفطية أو نشاطات إعادة إعمار من جانب الدولة الروسية أو قطاعها الخاص. كما أن تهاوي القدرة الشرائية للسوريين، يشكّل عامل طرد للاستثمار الخارجي.

وهكذا، فإنه لا جديد بعد زيارة الأسد إلى موسكو، على صعيد لقمة عيش السوريين، ووقودهم. فالحليف الروسي يرى سوريا، ساحة لنصب القواعد العسكرية، في سياق "لعبة التوازن الدولي التي تلعبها موسكو من خارج حدودها"، وفق تعبير الأسد ذاته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها