الجمعة 2023/01/20

آخر تحديث: 16:01 (بيروت)

مشاريع تأسيسية فارغة

الجمعة 2023/01/20
مشاريع تأسيسية فارغة
increase حجم الخط decrease

خطابان رئيسيان هذا الأسبوع تطرقا ولو لماماً لإعادة تأسيس التركيبة اللبنانية، سياسياً واقتصادياً، ولكن في اتجاهين مختلفين.

الأول، للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله الذي ركز على ضرورة إعادة تصميم النموذج الاقتصادي بما يُناسب الحقائق على الأرض، وتحديداً استمرار الضغوط الاقتصادية والعقوبات والحروب بالوكالة. حقيقة أن "النسخة الثالثة من المشروع الأميركي في المنطقة تقوم على تشديد الحصار والعقوبات الاقتصادية"، وفقاً لنصر الله، تفترض تجنب "الحسابات السياسية الخاطئة" في بناء السياسة الاقتصادية. وأولى هذه السياسات الخاطئة أن هناك "تسوية في المنطقة". لا تسوية تلوح في الافق، وبالتالي "يجب بناء الرؤية الاقتصادية على أن لا استقرار في ظل الصراع مع العدو الإسرائيلي".

لكن أي نموذج اقتصادي ينفع في مثل هذه المواجهة مع العالم الخارجي؟ 

يضع الأمين العام ثلاثة أسس لهذا النظام الجديد، لا علاقة لها بالاقتصاد ولكنها سياسية ستدفع بالبلاد الى المزيد من التأزم مع الإقليم، والغرب كذلك. أولاً، استغلال الموارد الطبيعية، ذاك أن هناك "ثروة هائلة" في البحر المتوسط، "ولا نقاش حول أنه ستكون لها الأولوية في العالم". والغريب أيضاً حديثه عن حتمية وجود "نفط في اليابسة وفق الدراسات، وما أوقف كل المحاولات السابقة هو السياسة".

ثانياً، تبديل منظومة العلاقات الخارجية للبنان. يحصر نصر الله أسباب الأزمة الحالية في لبنان بالمحاصصة والعقوبات والضغوط والحصار، وتبعات الحروب الداخلية وإعادة الإعمار، والحروب والاعتداءات الإسرائيلية والأحداث الإقليمية، وخصوصاً "ملف النازحين الذي يحمل لبنان أعباءً كبيرة". وهذا يجعل الانفتاح على ايران وروسيا و"مساعداتهما" وكذلك التطبيع الشامل مع النظام السوري لاعادة النازحين في صلب الحلول المطروحة. ذاك أن "الحصار يعني منع المساعدات وتقديم الهبات للبنان، ومنع القروض ومنع الدولة من قبول الهبات، كما حصل مع الهبتين الروسية والإيرانية أو قبول فتح الاستثمارات (الصينية والروسية)".

ثالثاً، اختيار سلطة سياسية "شجاعة" للوقوف في وجه الهيمنة الأميركية وتعرّض المغتربين اللبنانيين للخطر والاعتداء من خلال وضع رجال أعمال وتجار كبار على لوائح الإرهاب "بتهمٍ ظالمة". لبنان "يريد رئيساً للجمهورية شجاعاً لديه استعداد للتضحية ولا يهمه تهديد الأميركيين إذا قاموا بذلك، وهناك نماذج موجودة ... ونبحث عن حكومة ومسؤولين من هذا النوع".

لكن نصر الله الذي حدد مهلة غير مفهومة هي "6 سنوات مصيرية" لتبديل الاتجاه في البلاد، حذر من "الانهيار"، وكأن الوضع الحالي خارج هذا التوصيف، في ظل التفكك الحاصل في مؤسسات الدولة ووظائفها. الانهيار الذي حذر منه نصر الله، حدث وهو متواصل، رغم أن الوضع الأمني لم يتدهور بشكل واسع للآن، سيما أن الأحزاب التقليدية باتت تلعب دوراً أمنياً في مناطق نفوذها مع تلاشي قدرات الدولة.

وهذا الضعف في التوصيف ينسحب كذلك على رزمة "الحلول المطروحة"، ومنها الاستثمارات الصينية والروسية (وكأن روسيا أو الصين في هذا الوارد)، أو استخراج الغاز سريعاً وهو يحتاج لسنوات طويلة. 

رؤية "حزب الله" للحل اللبناني هي أشبه ببناء تحصينات لحماية التنظيم منها الى برنامج لحل أزمات الداخل. 

في المقابل، تحدث الرئيس التنفيذي لحزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن إعادة النظر بالتركيبة اللبنانية في حال نجح "حزب الله" في إيصال رئيس للجمهورية. عدم القبول باستمرار سيطرة الحزب على الدولة، يعني تلقائياً البحث عن بدائل لهذا النظام وفقاً لمعادلة "إما يكون رئيساً جدياً وإما ستكون كل خياراتنا مطروحة". "إعادة النظر بكل تركيبة الدولة" وفك الارتباط مع خيار البيئة الحاضنة للحزب بحماية "ظهر المقاومة".

للمرة الأولى، يربط جعجع بين نتيجة للعملية السياسية وبين خيار البحث عن صيغة أخرى للتركيبة اللبنانية على أساس الفيديرالية والحياد، أو غيرها مما يضمن عدم الانجرار وراء خيارات لقسم من اللبنانيين، يراها "انتحارية" وغير متوافقة مع أسس العملية السياسية اللبنانية، لا بل تعكس هيمنة السلاح وقدرة "حزب الله" على فرض ارادته في الداخل اللبناني. وهذا صحيح في المبدأ، لجهة أن خيارات حزب الله ودوره المحلي والاقليمي تفرض نفسها على العملية السياسية في البلاد، وترسم صورتها مسبقاً، وباتت تستدعي تفكيراً في صيغة جديدة لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه.

لكن ما هو برنامج جعجع للمرحلة المقبلة، في حال تمكن الحزب من انتخاب مرشحه؟ بيد أن فرض الفيديرالية من طرف واحد غير قابل للاستمرار، ناهيك عن الحاجة لتوحيد الصف السياسي مسيحياً لتطبيقه، للحؤول دون مواجهات داخلية تُفشل المشروع برمته. لا يترافق الإعلان مع خطوات أو رؤية سياسية وعملية بهذا الاتجاه.

عملياً، طرح إعادة تأسيس التركيبة اللبنانية برمتها من دون مواكبته مع تحالفات سياسية جديدة، في حال جعجع، أو رؤية اقتصادية واقعية للمرحلة المقبلة في حالة نصر الله، يُفرغ المشروع من محتواه. الاستنتاج الوحيد هو أننا أمام تهديدات فارغة المحتوى، في ظل هيمنة قوى سياسية تنتظر الوجهة، ولا تُشارك في صناعتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها