الإثنين 2022/08/08

آخر تحديث: 07:25 (بيروت)

"حماس" في ثوب سلطة أوسلو

الإثنين 2022/08/08
"حماس" في ثوب سلطة أوسلو
increase حجم الخط decrease

لافت كان انتقاء المحلل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية زفي باريل تصريحاً إعلامياً للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة جاء فيه أن المواجهة اليوم هي امتحان تاريخي إما نتعامل معه متحدين، أو ندفع ثمن خلافاتنا. ذاك أن معركة قطاع غزة كانت بين جيش الاحتلال الإسرائيلي، من جهة، وحركة الجهاد الإسلامي، من جهة ثانية، في حين حجزت حركة "حماس" مقعداً لها في صفوف المتفرجين على الحرب، ونأت بنفسها عنها. وحسب باريل، فإن الحركة الأكثر براغماتية وصاحبة العلاقات المتشعبة اقليمياً تُشارك إسرائيل القلق من "الجهاد الإسلامي" والاهتمام بضرورة احتوائها. هو تقاطع مصالح أنتج هذه الحرب الغريبة على "الجهاد" دون سواها في غزة.

بداية، ماذا نعرف عن محصلة العملية الإسرائيلية؟ 

أولاً، في الأضرار المادية، تعرضت قيادات حركة "الجهاد الإسلامي" لضربة قاصمة، بدءاً من اعتقال القيادي فيها الشيخ بسام السعدي في مخيم جنين، ومن ثم اغتيال المسؤول تيسير الجعبري في غارة "استباقية" على قطاع غزة، وبعدها اعتقال 19 عنصراً (في الضفة)، ثم إغتيال المسؤول خالد منصور، فضلا عن استهداف العشرات منهم بين قتيل وجريح. بالتأكيد ليس التقييم الإسرائيلي عن تصفية قادة الحركة بأسرهم في محله، بل الأرجح هو تضخيم. من الصعب تحقيق ذلك مع تنظيم أمني موجود في القطاع والضفة والشتات الفلسطيني. لكن التصفيات التي وقعت، ستترك أثرها على قدرات التنظيم وحساباته خلال المرحلة المقبلة، كما يظهر من رد فعل الحركة على الاعتقال والاغتيالات. في المقابل، لم تترك الصواريخ أثراً يُذكر على الجانب الإسرائيلي، مع غياب تام لأي إصابات خطرة، علاوة على عدم كثافة إطلاق الصواريخ بما يكفي لتعطيل نظام الدفاع الجوي.

ثانياً، كيف ستتعامل حركة "الجهاد" مع "حماس" خلال الفترة المقبلة، وعلى أي أساس؟ ذلك أننا أمام تنظيمين إسلاميين يتنافسان على استقطاب جمهور واحد، وبالتالي سنكون أمام حساسية متزايدة وريبة بين المجموعتين بعد المواجهة الأخيرة. وهذا هدف مهم لأي عملية عسكرية، بيد أن النجاح في زرع الشقاق بين تنظيمين معاديين يعملان على الأرض نفسها، مفيد لدولة الاحتلال على المستويات كلها، عسكرياً وسياسياً وأمنياً كذلك.

ثالثاً، الموقف الإيراني حيال الهجمة على "الجهاد" كان سيئاً. طهران الداعمة الأساسية لحركة "حماس"، وبالتالي لديها قدرة تأثير لم تلجأ اليها، وهي عملياً شريكة في التفرج على استهداف "الجهاد"، اعتقالاً واغتيالاً في الضفة والقطاع، تباعاً.

كيف تُقارب ايران العلاقة مع الفصيلين؟ هي تزن فائدة كل تنظيم، لا عقيدته ومدى ارتباطه بها ثقافياً وسياسياً. "حماس" أقدر عسكرياً وسياسياً، وتُمسك بزمام الأمور في القطاع ولديها شعبية واسعة في الضفة الغربية، وهي بالتالي مفيدة أكثر لطهران من "الجهاد". لهذا، في مقابل الدعم الإيراني بالتصريحات لحركة "الجهاد"، هناك حرص أكبر على العلاقة مع "حماس"، واستعداد بالتضحية بالأولى لمصلحة الثانية لو تطلب الأمر. ففي سُلم المجموعات التي تدور في فلك ايران، تُمنح الأولوية للأكثر فاعلية وظيفياً، وليس للعقيدة أي دور في هذه الحسبة. إذا كانت "الجهاد" قادرة على اثبات نفسها على الساحة الفلسطينية كمنافس حقيقي لـ"حماس"، ترتفع أسهمها، وإن فشلت، يُهمل أمرها لمصلحة الثانية.

يبقى أن أهم مؤشرات هذه الحرب أن النزاع على السلطة والنفوذ، أكثر أهمية من الصراع مع الاحتلال، أو القضية المركزية كما يحلو للبعض تسميته. هذا كان جذر النزاع بين حركتي "حماس" و"فتح"، رغم آثاره المدمرة على القضية نفسها، وهو كذلك في الخلافات والحساسيات المتصاعدة بين الأولى و"حركة الجهاد الإسلامي" في غزة. لا بل بالإمكان رسم دائرة حول تمايز "حماس" عن "فتح" التي كانت في تسعينات القرن الماضي تحرص على حماية مقاتلي الحركة من الاحتلال. 

"حماس"، في المقابل، تتفرج على اغتيالات قادة "الجهاد"، وتحيد نفسها عن الصراع، بالتنسيق غير المباشر مع الاحتلال. وهذا عمل سياسي يفتح مجالات لأشكال أخرى من ِالتفاهم مستقبلاً.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها