الجمعة 2022/05/20

آخر تحديث: 08:36 (بيروت)

النواب الجدد..يجددون أدوات الصراع

الجمعة 2022/05/20
النواب الجدد..يجددون أدوات الصراع
© Getty
increase حجم الخط decrease

صحيح أن الكتلة النيابية من المستقلين بالكاد تتجاوز العشرة في المئة من البرلمان، وهي بالتالي أقل من حجم حركة "أمل" أو "التيار الوطني الحر" وكلاهما من عظام السلطة التي أوصلت البلد لهذا الدرك السفلي من الانهيار. إلا أن ذلك تفصيل في السياسة اللبنانية.

اليوم نحن أمام مجموعة من النواب الجدد المستقلين ممن تمكنوا من خرق أسوار هذه المنظومة السياسية، وهذا ليس بالهيّن. ذاك أننا لسنا أمام انتخابات عادلة بالحد الأدنى، إذ أن أقطاب السلطة يملكون وسائل الاعلام أو صحافيين فيها، وتعمل المؤسسات الدينية الرسمية في خدمتهم، علاوة على تحويلهم الوظائف والخدمات العامة الى رشاوى. إذا كانت الانتخابات سباق ألف متر، يبدأ أقطاب السلطة غالباً عند عتبة 999. الفارق اليوم أن منظومة الريع والرشاوى الانتخابية تعرضت لنكسة مع انهيار الاقتصاد والوضع المالي، علاوة على انفجار مرفأ بيروت وتصفية التحقيق القضائي فيه. جَمَعَ الواقع الحالي بين اهتراء منظومة الريع والسيطرة، من جهة، وبين رغبة عارمة بالتصويت ضد السلطة انتقاماً منها، ما فتح كوة أتاحت هذا الاختراق وبهذا الحجم.

طبعاً، ساعدت المنصات الانتخابية، ولو بشكل انتقائي ومُسيّس، على تمويل الحملات وإتاحة ظهور اعلامي لم يكن ليحصل دون المال الاغترابي.

إلا أن هذا الاختراق يبقى مرتبطاً بعوامل ظرفية، ويجب البناء عليه لتحقيق ديمومة في المرحلة المقبلة. وهذا لا يحصل بالائتلاف مع أحزاب تقليدية مثل "الكتائب" وحركة الاستقلال ومثلها، بل بالعمل على بناء قاعدة تنظيمية على الأرض كي تُمثل رافعة بالمرحلة المقبلة. لكن كيف ننافس القوى التقليدية على توفير الخدمات للناس مع التمويل الخارجي للأحزاب التقليدية وامتلاكها القدرة على التوظيف وتجيير عمل المؤسسات العامة؟

شقان في الإجابة هنا. الأول أن تمويل العمل الاجتماعي وتحويله الى شبكة علاقات تنظيمية على الأرض، لم يعد بعيد المنال. ذاك أننا اليوم أمام حالة اغترابية اعتراضية يجب البناء عليها أبعد من الانتخابات، وباتجاه أطر تنظيمية تنخرط في مجال المساعدات على الأرض. لن تكفي البيانات والتصريحات الاعتراضية على السلطة تحت قبة البرلمان، ولا يملك المستقلون كتلة كافية لتقرير السياسات في حال قرروا الدخول في ائتلاف حكومي، سيما أن القوى السياسية باتت تريد الخروج من إطار حكومات التكنوقراط بعد العودة للبرلمان بخسائر طفيفة.

الشق الثاني من الإجابة على ارتباط بواقع أن السلطة السياسية ما زالت في طور التداعي، وبالامكان مواصلة الاختراق من خلال العمل التنظيمي. على النواب التفكير كذلك بقواعدهم الانتخابية، والتواصل معهم، في ظل النفي المرتقب للسياسة ومحاولات التوتير الأمني والطائفي على الأرض. خطاب الأمل العابر للطوائف والمنحاز للناس وقضاياهم، والمعارض للسلاح خارج الدولة في آن، قادر على خلق قاعدة شعبية واسعة.

الفوز في الانتخابات يُرتب مسؤوليات كثيرة، أهمها الحفاظ على المكتسبات وعدم التفريط بها في حسابات ضيقة، إذ بإمكان السلطة لو أتيح لها، أن تُغلق بوابة التمثيل المعارض والمستقل عن الأحزاب الطائفية في البلاد، وعلينا توقع أن هذه مهمتها الأبرز بالفترة المقبلة.

كان الصوت الانتقامي رافعة أولية، والآن تبدأ المعركة الحقيقية في البرلمان وخارجه لتثبيت العمل السياسي والتمثيل البديل لهذه السلطة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها