الجمعة 2022/04/29

آخر تحديث: 16:25 (بيروت)

الإعلام ناخباً لمن يدفع

الجمعة 2022/04/29
increase حجم الخط decrease

قبل بضعة أسابيع على موعد الانتخابية النيابية، يبرز دور الاعلام اللبناني ليس لجهة التطبيل لمصلحة قوى السلطة، بل كذلك لناحية العمل على تشكيل "المعارضة" وتعريفها من خلال تغطية انتقائية للمرشحين.

بدأ بازار التغطية الانتخابية، وتتداول وسائل التواصل والأروقة السياسية كلاماً عن أسعار المشاركة في الحلقات التلفزيونية، وما على كل مرشح دفعه للظهور. طبعاً، هذا لا يختصر المشهد بأسره، بل الصورة أكثر تعقيداً، وتتداخل فيها إمكانات المرشحين وداعميهم في الخارج، مع شبكة العلاقات التي نسجوها في عالم الاعلام والسياسة، ولو كانت متناقضة مع ما يدعونه من مواقف. في هذا المقام، لدى السلطة كذلك مرشحيها "المعارضين" ممن يرتبطون بمصالح مالية واقتصادية مع أقطابها، ولديهم علاقات شخصية مع بعض الساسة. هؤلاء لا يُشكلون خطراً بل بالعكس، يمثلون "تنفيسة" مدروسة لشارع محتقن عليه تفجير غضبه بالانتخاب، شرط أن ييأس لاحقاً بعد أن يكتشف عدم تبدل الواقع، نظراً لعدم وجود رؤية سياسية-اقتصادية واقتصار الأمر على مجرد فقاعات استعراضية على وسائل التواصل الاجتماعي.

حجم الانهيار المالي اليوم في البلاد يتطلب سياسات راديكالية على المستوى الاقتصادي لمعالجة الخلل الواقع على مستويات الأمن والصحة والتعليم، وغرق الغالبية تحت مستوى الفقر. واللافت في الحالة اللبنانية، وعلى عكس أمثلة أخرى من الانهيار كالأرجنتين، أن قسطاً كبيراً من أهل السلطة ومتعهديهم ورجال الأعمال المحسوبين عليهم، هرّب أمواله للخارج بعد الانهيار أو قبله بقليل، وبالتالي عاد الى السوق اللبنانية بزخم أكبر نتيجة انهيار القدرات المحلية وفقدان العملة الوطنية قيمتها. كما أن هناك بنية تحتية سياسية-اقتصادية رفعت عن العمال في لبنان أي حماية نقابية. أيُعقل اليوم أن بلداً يشهد انهياراً اقتصادياً ومالياً واجتماعياً لا توجد فيه تظاهرات عمالية تُدافع عن حق الناس في الحصول على تقديمات أعلى، أو على توزيع الخسائر بشكل عادل من خلال ضرائب أعلى تُعيد توزيع الثروة. ألا يستحق من خسر كل أمواله وجنى عمره في الضمان الاجتماعي نتيجة انهيار سعر الصرف، تحصيل تعويض ولو يسير من أصحاب المصارف والمتعهدين الكبار؟ كيف بإمكان صاحب مصرف مُفلس يحتجز أموال الناس أن يُواصل مراكمة الأرباح والاحتفاظ بأملاكه في لبنان والخارج دون مسائلة أو محاسبة؟

هذا الواقع يفترض تحركاً استباقياً من السلطة لإعادة تصميم القوى الاعتراضية بما يتناسب مع أجندتها. المطلوب هو قوى اعتراضية بالصوت فقط، دون برنامج واضح أو جملة سياسات واضحة، ولكن مع صورة منمقة على الاعلام. لهذا من المهم الانتباه الى شعار المرحلة اليوم في لبنان، وهو "هذا يُشبهنا" و"ذاك لا يُشبهنا"، على أساس أن الشكل المنمق قادر على الاحلال مكان السياسة والاقتصاد في لبنان اليوم.

والمقصود بوسائل الاعلام اليوم، تلك غير الحزبية التي تُحافظ غالباً على مسافة وما تيسر من المهنية في تعاطيها مع الشأن العام. لكن في نهاية المطاف، تعتمد وسائل الاعلام اللبنانية وخصوصاً التلفزيونات منها على أثرياء السياسة ومموليهم الخارجيين في تمويلها، وليس على الدعايات وأرباح البرامج، بما أن القطاع الخاص متداعي. وأصحاب هذه المؤسسات رجال أعمال كذلك، لديهم أجنداتهم ومصالحهم ومواقفهم غير البعيدة اقتصادياً واجتماعياً عن هذه الطبقة السياسية. 

لهذا، علينا أن نرى أبعد من الكلام المنمق عن معارضة الطبقة السياسية في الاعلام، وننظر الى الأجندة الاقتصادية وشبكة العلاقات الاجتماعية والمصالح المالية، لنعرف أن هناك تقاطعات أكثر من الخلافات، بين السواد الأعظم من مرشحي المعارضة من جهة، وبين السلطة من جهة ثانية. وما عليكم الا مشاهدة حفلات زفاف أبناء السياسيين وبناتهم لتُشاهدوا وجوهاً كثيرة تُقدم نفسها اليوم على أنها معارضة للطبقة السياسية وبديلاً لأقطابها، ولكنها في الواقع جزء من المشهد حان دورها في هذه المرحلة.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها