الجمعة 2022/03/18

آخر تحديث: 07:00 (بيروت)

عالمنا الغني بالميليشيات

الجمعة 2022/03/18
عالمنا الغني بالميليشيات
increase حجم الخط decrease

كان لافتاً كيف أضاءت الحرب الروسية على أوكرانيا، على حجم اعتماد لبنان والمنطقة على هذا البلد وعلى روسيا، في الأمن الغذائي، أكان لجهة استيراد القمح أو زيت دوار الشمس، أو لناحية انكشاف المشرق في مجال الطاقة. المنطقة بأسرها ستتأثر في أمنها الغذائي وعليها إيجاد مصادر بديلة سريعاً، لن تكون محلية للأسف نتيجة الفساد وسوء إدارة الموارد خلال العقود الماضية.

لكن الحرب نفسها أيضاً فتحت عيوناً على مادة بتنا مصدرين أساسيين لها: الميليشيات الرخيصة! 

تبين وفقاً لتقرير نشرته هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي بي سي) في 15 الشهر الجاري أن روسيا شرعت قبل أسابيع من انطلاق حربها على أوكرانيا، في تجنيد مرتزقة من خريجي الحرب السورية، أكانوا من الجنسية الروسية (مرتزقة فاغنر على سبيل المثال) أو سوريين قاتلوا بإشراف القوات الروسية. وفقاً لتقارير سورية، يدفع الجانب الروسي بضعة آلاف الدولارات دفعة أولى لكل مجنّد ينضم الى صفوفها، وكانت النتيجة أن آلافاً من السوريين باتوا جاهزين للانضمام. والأرجح أن لبنانيين سينضمون كذلك الى هذه المعركة مقابل أثمان أقل مما كان سائداً ابان غزو العراق الذي جنّدت فيه واشنطن مرتزقة من خلال شركات خاصة.

وهذا الواقع يتطلب وقفة تأمل بما آلت اليه الأمور. ذاك أن دولتين تطمحان لاستعادة دورهما الامبراطوري، وهما تركيا وروسيا، شاركتا في الحرب السورية، ولديهما وجود عسكري يُعد من الطرف المقابل احتلالاً، باتت تُعامل مناطق سيطرتها كأنها مزارع مقاتلين تأخذ منها حاجتها في صراعات ليس للمنطقة بأسرها ناقة فيها أو جمل. وكل السياسات التركية والروسية، أكان لجهة انشاء شبكات نفوذ وتأثير وقواعد عسكرية، أو إبرام عقود اقتصادية ومالية، تصب في قائمة العمل على وجود دائم وغير متوازن يقضم من السيادة الوطنية. لكن في الوقت ذاته، هذه مناطق غير مفيدة اقتصادياً، وبالتالي من الصعب أن تنطبق عليها السياسات الاستعمارية السابقة، بل الأرجح أن تركيا وروسيا أنفقتا وتُنفقان أموالاً وجهداً إما لكلفة وجودها العسكرية، أو للمساعدة في إبقاء الوضع تحت سيطرة في مناطق النفوذ.

كل ذلك صحيح، إلا بما يتعلق بالناس. ذاك أن المواطنين السوريين أكانوا في ظل النفوذ التركي أو الروسي، تحولوا الى سلعة استعمارية. السوريون (واللبنانيون والعراقيون بالنسبة لإيران) باتوا بمثابة رصيد يُستخدم في صراعات هذه القوى الصاعدة، أكان في آذربيجان أو ليبيا أو أوكرانيا وغداً في بلدان أخرى. وهذا كلام ينسحب كذلك على الدور الإيراني بالمنطقة، إذ ترى طهران في الشعوب المستعمرة أو الخاضعة، سلعة بالإمكان صرفها في الصراعات في أكثر من مكان. وهذا سلوك كان رائجاً في زمن الامبراطوريات، حين كانت تُقاتل أعداءها بمجندي مستعمراتها. بعض الامبراطوريات السابقة ما زال يُجند عناصر من المستعمرات السابقة، على أساس أنهم جنود ممتازون ولديهم تاريخ في الخدمة والولاء. وهذه سمة جديدة لسوريا والى حد أقل، لبنان والعراق.

ولكن هذه هي الميليشيات التي نراها وتُقاتل بالعلن، ولكن ماذا عن البنية الأمنية غير المرئية؟ صحيح أن هذه الميليشيات في الظاهر مرتبطة بالعسكر، لكنها كذلك على صلة بالمؤسسات الأمنية الناشطة في سوريا، أكانت تركية أو روسية. ولكن الامتداد أكبر من ذلك. هناك نشاط للاستخبارات الروسية في سوريا، مع الميليشيات والأجهزة الأمنية التي أُعيدت هيكلتها بشكل ملائم للنفوذ الروسي وحاجاته. ذاك أن الأراضي السورية كانت مسرحاً لعمليات نُسب بعضها للاستخبارات الروسية كمثل الاعتداءات الصوتية (جهاز الاستخبارات العسكري متهم بتنفيذها ضد أميركيين في كوبا وكذلك في شرق سوريا). كيف ستُستخدم هذه البنية الأمنية في الصراع اللاحق على غرار ما يحصل مع الميليشيات والمرتزقة؟ وهل سنرى استخداماً للمغتربين أو المهاجرين السوريين في الخارج، كما حصل مع نظرائهم اللبنانيين على أيدي الاستخبارات الإيرانية (اعتداء بورغاس مثالاً)؟

هذه أسئلة كثيرة علينا طرحها على أنفسنا، ونحن نرى الحرب على أوكرانيا تتعمق مع أدوار لبلداننا لا قدرة لنا على التأثير في مسارها، بل هي على ارتباط بما تُقرره الدول القابضة على مصائرنا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها