الجمعة 2022/02/25

آخر تحديث: 07:31 (بيروت)

أوكرانيا بوابة لسياسة صينية جديدة

الجمعة 2022/02/25
increase حجم الخط decrease

بعد انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا وتبعاته في السياسة الدولية، تتجه عيون كثيرة إلى تايوان الشبيهة في حالتها كمحمية غربية ما زالت تابعة سيادياً للصين، مثلها مثل هونغ كونغ. ذاك أن امتحان هذه الحرب الروسية، وحجم الرد الغربي عليها، عسكرياً واقتصادياً، وجديته، قد ينعكس على مقاربة الصين التحديات الأمنية الشائكة في جنوب شرقي آسيا، وتحديداً تايوان.

لكن ما هو الموقف الصيني وكيف قد يتطور مع تطور الأزمة؟

تُحاول الصين في سياستها الخارجية التركيز على مبدأ عدم التدخل واحترام السيادة الوطنية للدول، لهذا وحين حصل الغزو الروسي لأوكرانيا، ركزت الإدارة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون على هذه المقاربة وأسسها لإحراج بكين أو حضها على موقف مُغاير. مثلاً، ألمح الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إلى هذا المبدأ، متحدثاً عن "فرصة" لاستخدام الصين نفوذها مع روسيا لوقف الغزو.

ولكن أيضاً، لدى بكين اهتمام بعدم الدخول في صدام مع أوروبا والولايات المتحدة، وفي الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع روسيا. وبالتالي فإن موقفها من الغزو الروسي سيُحتم عليها الخروج عن المألوف في مقاربة السياسة الخارجية، علاوة على احراجها في العلاقة مع شركائها التجاريين. الصين الشريكة التجارية الأولى لأوكرانيا منذ عام 2019، وحلت مكان الاتحاد الروسي، وبلغ حجم التبادل التجاري 19 مليار دولار أميركي العام الماضي، علاوة على أخذها قروضاً صينية لتعزيز البنى التحتية للبلاد.

والمفارقة أن الرئيس الأوكراني الحالي فلوديمير زيلينسكي كان يُعوّل على هذه العلاقة والشراكة الاستراتيجية مع الصين، وطالب نظيره الصيني بأن تكون أوكرانيا جسراً لعالم الأعمال الصيني الى أوروبا.

لكن رفض الصين توصيف الغزو الروسي باسمه، ودفاعها عن موسكو وهجومها على القوى الغربية، لن يترك مجالاً لعلاقات استراتيجية مع أوكرانيا مستقبلاً، في حال عودة السيادة لاحقاً. وعدم محاولة الصين إيجاد توازن بين روسيا، من جهة، وبين شركائها التجاريين الكبار في أوروبا والولايات المتحدة، من جهة ثانية، قد يحمل انعكاسات اقتصادية، سيما أن إدارة الرئيس جو بايدن تضع احتواء الصين في صلب أولوياتها للسياسة الخارجية.

ولكن هناك أيضاً في التجربة الروسية اليوم، دروساً مستقبلية للصين. كم سيكون تأثير العقوبات الغربية في روسيا؟ وكيف ستنعكس محاولات عزل روسيا على العلاقات بين بكين وموسكو في ظل اعتماد متزايد عليها، تماماً كما حصل مع ايران خلال فترة حملة الضغوط القصوى الأميركية. كانت ايران خلال السنوات الماضية تعتمد على التعامل مع الصين، نفطياً، كحبل نجاة من العقوبات، وبالتالي علينا توقع اعتماد روسي أكبر على بكين، وربما تقارب وتنسيق مختلفين نوعياً.

في المحصلة، الأرجح أن لا تغزو الصين تايوان لأسباب على ارتباط بحاجتها لمواصلة النمو اقتصادياً وتعزيز علاقاتها التجارية مع العالم. ومثل هذه المقاربة لا تستوي مع عقوبات ومواجهة عسكرية. لا حاجة لذلك الآن. لكن الأهم من تايوان أننا أمام تشكل تحالف لصيق بالصين وأكثر اعتماداً عليها، اقتصادياً وسياسياً، وأمام خيارات مغايرة بالسياسة الخارجية الصينية (مهاجمة الغرب والتقارب مع روسيا، مقارنة بموقفها المحايد من حربها في جورجيا عام 2008).

وهذا الفرز السياسي بين القوى المختلفة مع العنف المرافق له، يجترح عالماً جديداً بتوازنات مختلفة وقد تصلنا ارتداداته في هذه المنطقة المنهكة والمثقلة بالنزاعات، أسرع مما نعتقد.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها