الأحد 2022/11/27

آخر تحديث: 08:47 (بيروت)

الليرة السورية تحت مقصلة الضربات التركية

الأحد 2022/11/27
الليرة السورية تحت مقصلة الضربات التركية
increase حجم الخط decrease

سريعاً، ظهر أثر العملية العسكرية التركية على سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار. بل إن هذا الأثر ظهر في بعض المناطق قبل حتى أن تبدأ العملية التركية. تحديداً، بعيد انفجار اسطنبول في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت. فالسوق السوداء في المنطقة الشرقية، وشمال غرب سوريا، استقرأ بصورة مباشرة الأثر المرتقب لذاك التفجير. وحلّق الدولار في إدلب والقامشلي والحسكة، ليرتفع على حساب الليرة بنسبة 3.66%، في الأسبوع التالي لذاك الحدث. قبل أن يلحق به "دولار دمشق"، في الأسبوع الذي تلاه، وعلى وقع العملية العسكرية التركية، ليرتفع بنسبة 3.17%، حتى مساء أمس السبت.


قبل تفجير اسطنبول، كان يمكن لحظ مؤشرات تفيد بأن أثر العوامل التي دفعت الليرة للانهيار، منذ بداية الصيف الفائت، قد وصل إلى أقصاه. وتقلصت نسبة تراجع الليرة في الشهر الأخير. لكن الاحتمالات المستقبلية التي خلقتها تطورات التفجير والعملية العسكرية التالية له، دفعت بنسبة تراجع الليرة إلى الازدياد، مجدداً.


ومنذ منتصف تموز/يوليو الفائت، دفعت جملة عوامل، سعر صرف الليرة إلى الانهيار، بنسبة تراجع شهري بوسطي 9%، في العاصمة دمشق، وذلك على مدار الأشهر الثلاثة التالية. أبرز تلك العوامل، كانت المستويات المرتفعة للتضخم العالمي وانعكاساتها على حجم الحوالات القادمة إلى الداخل السوري، إلى جانب تأثير الارتفاع العالمي في سعر صرف الدولار. أُضيف إليه عامل ازداد حدة في الصيف الفائت، تمثّل في تصاعد وتيرة الصراع بين أمراء الحرب والميليشيات الناشطة في مناطق سيطرة النظام، على الموارد وخطوط التهريب ومصادر الدخل، بصورة لم يستطع النظام، حتى الآن، وضع حدٍ لها، وإن استطاع لجمها ومنعها من الخروج عن زمام السيطرة كلياً. لكن هذا الصراع أثّر بطبيعة الحال، على النشاط الاقتصادي ومصادر القطع الأجنبي، في نقاط التماس، خاصة بالمنطقة الشرقية. قبل أن ينتصف أيلول/سبتمبر، ويُضاف عامل جديد يتمثّل بالحاجة للقطع الأجنبي من جانب حكومة النظام، لتمويل شراء المزيد من المحروقات والنفط الخام والغاز، استعداداً لفصل الشتاء، من دون أن ننسى تمويل شراء القمح أيضاً، في الفترة ذاتها. كل تلك العوامل تضافرت معاً لتحقيق نسبة انهيار وصلت إلى نحو 27% في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، على مدى الأشهر الثلاثة التالية لمنتصف تموز/يوليو الفائت. لكن أثر تلك العوامل وصل إلى أقصاه، كما أشرنا. وتقلصت نسبة التراجع الشهرية لليرة في دمشق وباقي مناطق سيطرة النظام، من وسطي 9% إلى وسطي 6.7%. إلا أن تعاملات أسواق العملة في الأسبوعين الأخيرين، غيّرت تلك المعادلة. وارتفعت مجدداً نسبة تراجع الليرة بصورة نوعية، في عموم البلاد، وبصورة خاصة، في مناطق سيطرة النظام.


وقد كان جلياً أن تراجع سعر صرف الليرة في دمشق، كان نتيجة لتراجعه في شمال وشرق البلاد. وفي حال استمرار هذا الأثر لفترة طويلة، فهذا يعني أننا قد نكون أمام تراجع شهري بنسبة تتجاوز الـ 12%، في قيمة الليرة السورية، بصورة خاصة، في مناطق سيطرة النظام، التي فقدت أسعار الصرف فيها، مناعتها المفروضة أمنياً، أمام تقلبات أسعار الصرف في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي جرتها وراءها.


ويعلم العاملون في أسواق العملة في مناطق سيطرة النظام، أن أبرز مصادر الدولار في تلك الأسواق، تأتي من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، مما يفسّر انجرار سعر الصرف في دمشق، وراء نظيره في إدلب والحسكة والقامشلي، وإن بقي دولار الشمال والشرق أعلى بنحو 170 ليرة للدولار الواحد، مقارنة بنظيره في دمشق. لكن نسبة التراجع في أسعار الصرف هي نفسها، كما توضح حصيلة التغيرات خلال الأشهر الثلاثة السابقة.


وتشكل الاستراتيجية التركية الجديدة المتمثلة في استهداف منشآت النفط والغاز، في "شرق الفرات"، عامل ضغط استثنائي على مصادر القطع الأجنبي في تلك المنطقة. فالأضرار الناجمة عن الضربات التركية في تلك المنشآت، وتكاليف إصلاحها، وتراجع الإنتاج النفطي، والحاجة لاستيراد الغاز من "كردستان العراق"، نتيجةً لتلك الضربات، يعني ازدياداً في الطلب على الدولار في شرق البلاد، وهو ما سينعكس على أسعار الصرف في عموم الأراضي السورية.


وسيزداد هذا الضغط على مصادر القطع الأجنبي، بصورة أكبر، إن فشلت المساعي الأمريكية والروسية في إقناع تركيا بالعدول عن القيام بعمل عسكري برّي. إذ أن حدوث اجتياح برّي، وضبابية مصير بعض المناطق الخاضعة للسيطرة "الكردية"، سيؤدي إلى المزيد من التحوط بالدولار، من جانب التجار وأصحاب الملاءة المالية، في شمال وشرق البلاد، مما سيزيد من شح الدولار في الأسواق، وسينعكس بدوره، أيضاً، على أسعار الصرف في عموم الأراضي السورية.


وهكذا تقف الليرة السورية على شفا قاعٍ جديدٍ غير مسبوق، يتوقف عمقه على التطورات الميدانية والسياسية التي ستحدث في شرق وشمال البلاد، خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها