الإثنين 2022/11/21

آخر تحديث: 06:42 (بيروت)

في إيران ثورة لا احتجاجات

الإثنين 2022/11/21
في إيران ثورة لا احتجاجات
increase حجم الخط decrease

كان التقويم الأولي حيال التظاهرات وحركات الاحتجاج، أنها محدودة ومتفرقة وسرعان ما ستنطفئ بعد مضي أسابيع. ولكن الظاهر اليوم من اتساع رقعة التظاهر وشموله مناطق وقطاعات مختلفة من السكان، أن الحركة قادرة على الاستمرار وارهاق النظام واثارة الشقوق فيه، وكذلك على التخفي وادامة مظاهر السخط بأشكال مختلفة. هذه الديمومة وحدها كافية لاثارة ذعر النظام، وهذا كان جلياً في الخطاب الأخير لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي خلال استقباله وفداً من أصفهان، إذ عبّر عن ارتباك نظامه حيال احتجاجات تأخذ أشكالاً مختلفة وتُسجل الاعتراض الدائم للناس، بدءاً من فرض الحجاب، وانتهاء بدور رجال الدين في السلطة، مروراً بعمليات القتل والعنف المستخدم.

وسردية خامنئي عن الاحتجاج لافتة، ليس لجهة صحتها من عدمه، لكن للتسرع فيها، وكأنها مؤامرة لم تنضج كفاية، وصار كلامه يُشبه كثيراً خطاب الرئيس السوري بشار الأسد بعد الثورة السورية. هل يُعقل مثلاً الربط ولو تلميحاً بين الاحتجاج وبين الخارج الذي يخشى أو يحسد " الجمهورية الإسلامية" على تقدمها وتطورها، او استمراراً للسياسة الاستعمارية القائمة على نهب الشعوب وتدميرها؟  هو عملياً انتقام الغرب الذي لا يتحمل تقدم إيران ولو "كنا نخاف من امريكا والاستكبار وكنا نخضع أمام عنجهية الغرب، لكانت تراجعت تلك الضغوط المفروضة علينا".

تماماً كالأسد، تحدث المرشد بوضوح عن الأدوار الأميركية والإسرائيلية والأوروبية في الاحتجاجات، وبخاصة لجهة استثمار الإمكانات الإعلامية والسعي لاستخدام "القنوات الفضائية والتلفزيون لزرع اليأس بين الشعب"، وأن البعض داخل إيران "ينجرون خلف الدعاية الغربية ويقولون إن النظام الإسلامي يفتقد الحرية وسيادة الشعب". 

والشبه في المنطق بين خامنئي والأسد، لافت، لجهة اللجوء الى طرح أسئلة عامة كمثل "كيف يُمكن تحقيق التقدم؟"، ويجيب عنها ببساطة كطالب نجيب في الصفوف الابتدائية اكتشف سرعة بديهته ويريد إعلانها للعالم على وجه السرعة: "التقدم بحاجة الى العديد من الوسائل، أهمها الامل، لذلك يعمل العدو على زرع اليأس بين الشعب".

إلا أن هناك في كلام المرشد، اعترافاً بالتقصير أيضاً، وبـ"وجود المشاكل الاقتصادية"، وبأن "العقد الماضي فترة غير جيدة على صعيد الاقتصاد بسبب تقاعس بعض المسؤولين عن العمل بالتوصيات والقيام بواجباتهم".

وهذا يعكس ما يتنامى من الداخل الإيراني من مؤشرات لتصدع داخل النظام، مثل تصريحات لشخصيات ومسؤولين سابقين كوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، وتحديداً الإقرار بتعبير التظاهرات عن نبض الشارع، وضرورة الإصلاح على مستوى الحكم وكذلك السماح بالحريات الأساسية. تصريحات هؤلاء المسؤولين كذلك تُعبر عن رؤى مختلفة داخل النظام نفسه، ترغب في الإصلاح، وصارت ترى في تركيبة النظام عائقاً أمام ذلك، ما يجعل الاحتجاجات فرصة نادرة للتصحيح.

لهذا سيُحاول النظام لملمة الوضع من خلال سلسلة إجراءات. لكن ذلك غير كاف. بيد أن الاحتجاجات لم تعد مجرد فقاعات هنا وهناك، بل تحولت وفقاً لمصادر داخل ايران الى ثورة في أنحاء البلاد، لا يقتصر حضورها على منطقة دون أخرى، وترتكز على جيل الشباب، وتتسم بخفة تُرهق الأجهزة (وهذه ظاهرة عبر عنها خامنئي في خطابه). ورغم اللجوء المتزايد للعنف والقتل، إلا أن هذه الثورة لا تُظهر بوادر تراجع نتيجة طبيعتها وكذلك عدم الثقة بالطبقة الحاكمة وقدرتها على الإصلاح والتغيير، وصدقها بهذه العملية.

يبقى السؤال الأساسي عمّا إذا كان النظام ينوي استخدام أوراقه في الخارج للهروب من أزمته وتعزيز المخاوف الداخلية لثني الناس عن المشاركة في الاحتجاج. هذا ممكن، رغم أن النتائج غير مضمونة، فيما يتسع الشرخ بين النظام وقطاعات من الشعب لم تعد ترى مع التركيبة الحالية، أي مستقبل لها.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها