الأحد 2022/01/30

آخر تحديث: 10:04 (بيروت)

الحوار الايراني الامريكي "قاب فيينا او اقرب"

الأحد 2022/01/30
increase حجم الخط decrease

في تموز سنة 2015، وبعد التوقيع على الاتفاق النووي بين وزير الخارجية الايرانية حينها محمد جواد ظريف ونظرائه في السداسية الدولية او مجموعة 5+1 والاتحاد الاوروبي، سيطرت على الشارع الايراني الشعبي حالة من الاحتفالية دفعت بالبعض للخروج الى الشوارع للتعبير عن فرحهم وترحيبهم بانتهاء العقوبات واقتراب موعد الخروج من الازمة الاقصادية.

وفي اللحظة التي قرر فيها الايرانيون التوجه الى مطار طهران لاستقبال ظريف والفريق المفاوض للتعبير عن امتنانهم، استنفرت قوى النظام واجهزته كل قدرتها وقواها لمنع ان تتحول هذه التجمعات الى حالة شعبية قد يستخدمها رئيس الجمهورية حسن روحاني لتكريس حالة سياسية من بوابة الاتفاق والغاء العقوبات على حساب قوى السلطة وتيار النظام، قد تربك المسارات التي رسمتها حينها لاستعادة السلطة التنفيذية من تيار الاعتدال.

عودة الفريق المفاوض الايراني، ونظرائه المشاركين في مفاوضات فيينا الى عواصمهم لاجراء مباحثات ونقاشات نهائية حول الابعاد السياسية للاتفاق، بعد الحديث عن انتهاء التفاوض حول النقاط التقنية والفنية لاعادة احياء الاتفاق النووي، يعني ان النظام الايراني بات امام استحقاق حسم خياراته ومواقفه من السير في الاتفاق الى نهاياته او الاطاحة به ورفض الاثمان السياسية المطلوبة، وما يمكن ان تحمله من التزامات له في المرحلة المقبلة تتعلق بالملفات التي رفض البحث حولها على طاولة التفاوض، وفصل بينها وبين البرنامج النووي وتمسك بالعودة الى اتفاق 2015 ومخرجاته في موضوع العقوبات وحدودها وسقفها.

وصول المفاوضات الى نقطة حاسمة تتطلب من الاطراف اتخاذ موقفها من الشق السياسي للمفاوضات، يعني ان موعد الاحتفالات في طهران بانهاء العقوبات وبداية الابتعاد عن حافة الوقوع في الانهيار الاقتصادي الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا للاستقرار الداخلي، هذا الموعد بات قريبا.

الا ان هذا الانجاز، وعلى الرغم من ثباته وامتلاكه امكانية الاستمرار والبقاء على قيد الحياة من دون عراقيل حقيقية، وقد يفتح الباب امام مرحلة من التفاوض المباشر بين طهران وواشنطن حول مختلف الملفات الدولية والاقليمية والامنية، وقد يحمل وعودا اقتصادية كبيرة وواسعة ودخول استثمارات امريكية واوروبية في مختلف المجالات، الا انه لن يقابل بالاحتفالية التي رافقت اتفاق 2015 او اتفاق ظريف – جون كيري (وزير الخارجية الامريكي)، لان الاتفاق الجديد سيكون نتيجة لحاجة السلطة التي افشلت الاتفاق السابق، والتي استشعرت حجم التهديد الذي تشكله العقوبات على مشروعها الداخلي والاقليمي. 

الاتفاق الجديد سيكون محل اهتمام واحتفاء من قوى السلطة فقط، التي وحسب الجدول الزمني الذي تسير عليه جلسات الحوار وتنقل الفريق الايراني المفاوض بين فيينا وطهران، قد يتقارن مع احتفالات الذكرى 44 لانتصار الثورة والتي تبدأ في الحادي عشر من شباط/ فبراير وتنتهي في الحادي والعشرين منه، احتفالية ستكون هذه  السنة على نصاب مختلف، اذ ستعيد العلاقة بين ايران والولايات المتحدة الى لحظة اعلان انتصار الثورة التي لم تذهب الى القطيعة بل استمرت على شيء من الشكوك لم تقفل قنوات التواصل او تأخذ طابعا عدائيا نهائيا حتى في زمن القطيعة، اذ مرت في منحنيات متعددة ما بين الهدوء والحوار تارة والتوتر والتصعيد تارة اخرى، بناء على صراع المصالح وحدودها بين الطرفين. 

واذا ما كان الحوار المباشر بين الحكومة الايرانية الممثلة للسلطة والنظام مع الادارة الامريكية سيزيح عن كاهل القوى الاصلاحية والمعتدلة تهمة "التغريب" او "الاسلام الامريكي" او "الليبرالية"، فان تيار السلطة الذي يدفع بهذا الاتجاه بغطاء وضوء اخضر من المرشد  الاعلى علي خامنئي، الذي وضع الامر في دائرة الضرورات التي تبيح المحظورات حسب القاعدة الفقهية والاحكام الشرعية، لن يتردد في التمسك بهذا المسار واستغلال ما سيترتب عليه من انفراج وانتعاش اقتصادي يسمح له بتوظيفه في تعزيز قواعده الشعبية من جهة، والسلطوية من جهة ثانية لاقصاء المعارضين له بشكل حاسم سواء كانوا من داخل التيار المحافظ او القوى الاصلاحية المعارضة. 

الحوار المباشر بين طهران وواشنطن سيكون النتيجة الابرز للاتفاق النووي الذي بات "قاب فيينا او اقرب"، والذي عبر عنه بريت ماكغورك مستشار الامني للبيت الابيض في مسائل الشرق الاوسط بقوله "نحن في مرمى التوصل الى اتفاق محتمل،.. والمفاوضات وصلت الى ذورتها وسنعرف بالقريب العاجل اذا  كانت ايران على استعداد للعودة الى الاتفاق بناء على الشروط التي تطمئن امريكا". 

في المقابل، ومع اقتراب موعد المواجهة مع الحقيقة الامريكية، يبدو ان الانقسام الايراني حولها انتقل هذه المرة من دائرة الصراع بين تيار النظام او المحافظ وبين التيار الاصلاحي، الى داخل التيار المحافظ نفسه. فقد ساهمت النتائج التي انتهت اليها مفاوضات فيينا والمواقف المرحبة بالحوار المباشر مع واشنطن التي اطلقها عدد من المسؤولين عن الملف التفاوضي ضمن السقف الذي رسمه المرشد الاعلى، كوزير الخارجية حسين امير عبداللهيان وامين المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني، قد اثارت الجناح المتشدد والاكثر راديكالية في التيار المحافظ، بما يوحي بفشل الحكومة الممثلة للنظام باقناع جميع اطياف التيار الذي تمثله ويشكل قاعدة النظام السياسية والشعبية بهذه الخطوة التي سرعان ما اعادت انتاج الانقسام الداخلي، وهذه المرة داخل الصف او البيت الواحد بين مؤيد يضع المصالح الوطنية كأولوية، ومعارض يتمسك بمواقفه الثورية. وكأن المطلوب هو الاحتفاظ بالصوت المعارض بما يساعد النظام وقيادته هذه المرة في الحفاظ على خط الرجعة في حال اصطدمت المفاوضات بحائط مسدود، على عكس ما كان يحصل مع الحكومات السابقة خاصة حكومة روحاني التي سعت لتحقيق هذه الخطوة، اذ كان التيار المحافظ او قوى النظام تذهب الى معارضة هذه الخطوة موحدة، على قاعدة الدفاع عن المصالح الوطنية والقومية.  الا ان المسار الذي تسلكه الامور، يكشف عن غلبة واضحة لتيار المصالح الوطنية على التيار الثوري، ما يعني ان ايران قد تكون مقبلة على مرحلة مختلفة فيها الكثير من العقلانية والقبول بالتعاون مع المحيط والمجتمع الدولي. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها