الأحد 2022/03/06

آخر تحديث: 07:49 (بيروت)

ايران والمواعيد المعلقة

الأحد 2022/03/06
increase حجم الخط decrease

الاجواء العامة في طهران والعواصم الغربية المعنية بالمفاوضات النووية تشير الى بدء وزراء خارجية هذه العواصم باعداد حقائبهم استعدادا للتوجه الى فيينا للمشاركة في حفل التوقيع على نتائج الجولة الاخيرة من المفاوضات لاعادة احياء الاتفاق النووي. 

الحقائب المعدة لم تقفل  بعد، فهي بانتظار نتائج الامتار الاخيرة واللحظات الحاسمة في مواقف هذه العواصم من النقاط المتبقية والعالقة للاعلان النهائي. التي يشكل حلها بطاقة صعود الى الطائرة وانتقال الوزراء نحو الخطوة النهائية. 

مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي في العاصمة الايرانية في زيارة الفرصة الاخيرة، لحسم ملف الشرط الايراني المترتبط بتقرير الوكالة الدولية حول بعض الانشطة النووية الايرانية التي رصدت سابقا في بعض المواقع غير المعلنة وحَوت مستويات من الاشعة النووية المرتفعة، ما يعني ان الوكالة الدولية تسعى لمماشاة المطلب الايراني بصدور تقرير الوكالة النهائي واقفال ملف الاسئلة التقنية بالتزامن مع التوقيع على اعادة احياء الاتفاق النووي. 

في مسار التفاوض النووي، مازالت طهران متمسكة بالخطوط الحمراء التي وضعتها كشروط لاعادة احياء اتفاق عام 2015، وتتخلص بالغاء جميع العقوبات من ضمنها التي وضعها الرئيس السابق دونالد ترمب بعد عام 2018، والحصول على ضمانات امريكية بعدم الانسحاب مجددا من الاتفاق، وان تمر عملية رفع العقوبات بمرحلة اختبارية قبل ان تعود ايران للالتزام بجميع تعهداتها في الاتفاق دفعة واحدة.

وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان، الذي لم ينف استعداده السفر الى فيينا للمشاركة في جلسة التوقيع، ارسل مؤشرات يمكن ان تكون ايجابية حول امكانية خفض السقف الايراني بالحديث عن "الحد الادنى" من التجاوب مع الشروط الايرانية. ما يرفع مستوى التوقعات بجدية التوصل الى اتفاق خلال الاسبوع المقبل، وبان تشهد فيينا في الايام الاولى من هذا الاسبوع حدث التوقيع، بحيث تكون هذه الخطوة منسجمة مع الرؤية التي يؤكد عليها المرشد الاعلى للنظام بضرورة الانتهاء من الملف التفاوضي بما يراعي المصالح القومية ويجنب ايران الوقوع في الاخطاء السابقة. وهو تأكيد يحاول الفصل بين مسار فيينا النووي والتأُثيرات المحتملة للازمة الاوكرانية وتداعيات العملية العسكرية الروسية في هذا البلد. 

وقد يكون الاصرار الايراني بالوصول الى خواتيم ايجابية للازمة النووية، نابعاً من الخوف بان تتحول المماطلة الى عامل سلبي قد تطيح بما تحقق على هذا المسار حتى الان، وبان يؤدي عدم الانتهاء من التفاوض الى فتح الطريق امام اطراف في المفاوضات لاستغلال ذلك لتحسين شروطها، خاصة وانها قد تعتبر نفسها من المتضررين من الاتفاق في هذه المرحلة. وبالتحديد الجانب الروسي الذي دخل في دائرة عقوبات دولية شاملة وخانقة ومشددة، وينظر الى خروج ايران من العقوبات وفتح الاسواق العالمية امامها، تحديدا في قطاع الطاقة خطراً يهدد الورقة الابرز التي يمتلكها لابتزاز الدول الاوروبية، في حال استطاعت طهران الدخول على خط تعويض النقص الحاصل في امدادات الطاقة في قطاعي النفط والغاز.

المخاوف الروسية في قطاع الطاقة، لا تلغي رغبة موسكو في الانتهاء من الاتفاق وتسريع عملية خروج ايران من دائرة العقوبات، ما يمهد الطريق للتنسيق الثنائي بناء على الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين البلدين، لتكون طهران المعبر والممر الروسي للالتفاف على العقوبات الدولية الجديدة. 

البراغماتية الايرانية في التعامل مع الازمة الاوكرانية، والموقف الذي اعلنه المرشد برفض الحرب والدعوة الى وقفها واستعداد ايران للعب دور الوسيط بين موسكو وكييف، لم يمنع المرشد من تحميل المسؤولية للادارة الامريكية في هذه الحرب، واتهامها باشعال الحروب لضرب مصالح الدول التي ترفض "الاحادية الامريكية" في العالم. هذه البراغماتية ترجمتها طهران بالامتناع عن التصويت على قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة، في وقت كان التوقع، على الاقل الروسي، ان يكون التصويت بالرفض، ما يعني ان طهران وفي الوقت الذي تنظر الى استمرار مصالحها مع موسكو، فانها تسعى لعدم وضع كل "بيضها" في سلة واحدة، خاصة وان التجربة التاريخية الايرانية في معركتها مع القرارات الدولية في مجلس الامن وغيرها من الملفات الدولية لم تكن ايجابية مع روسيا. 

الواقعية الايرانية لا تقتصر على التعامل مع مراكز القرار الدولية، الصديقة والعدوة ( وهما هنا بالنسبة للايراني مفاهيم نسبية)، بل تسري على القراءة الداخلية للمتحول الدولي وتأثيراته الداخلية، بحيث اصبح السؤال الداخلي يدور حول ما الذي يجب فعله في ظل هذه الشروط والاوضاع؟ في ظل قناعة بان عالم السياسة ليس عالم ربح وخسارة، بل هو جدل مؤطر زمانيا حصيلته تأمين مصالح الطرفين بالحد الادنى وليس الحد الاعلى لها. 

وعلى الرغم من المتابعة الايرانية الدقيقة لما تشهده الساحة الدولية من تطورات على خلفية العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا وتداعيات، بالاضافة الى المخاوف من اتساع دائرة التوترات في حال اي تحرك صيني باتجاه تايوان قد يضع العالم على حافة حرب عالمية ثالثة، فان انظار الداخل الايراني تتجه اكثر الى مكان عقد المفاوضات النووية في فيينا والنتائج المتوقعة لها، لما لهذه المفاوضات من تأثير مباشر على الوضع الداخلي والحياة المعيشية واليومية للايرانيين بما فيها من أزمات اقتصادية وحياتية، الامر الذي يجعل من امكانية التوصل الى تسوية أقرب الى ما يريده هذا الداخل للخروج من دائرة الخطر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها