الإثنين 2022/01/03

آخر تحديث: 06:22 (بيروت)

خامنئي..لبنان ساحة مواجهة وبصيرة

الإثنين 2022/01/03
خامنئي..لبنان ساحة مواجهة وبصيرة
increase حجم الخط decrease

خصّ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي لبنان قبل يومين بإشارة الى وظيفته كساحة مواجهة. والإشارة هنا لافتة، رغم أن لبنان ورد ذكره كشاهد أو دليل خلال كلمة اللقاء مع عائلة القائد الراحل لفرقة "القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني والأعضاء في "لجنة إحياء ذكراه". 

في كلمته، نقل خامنئي عن "أحدهم إنّ الشهيد سليماني أخطر على أعدائه من الفريق سليماني ... وهو كذلك فعلاً. أولئك الذين اغتالوا قبل عامين الشهيد سليماني والشهيد العزيز أبا مهدي وسائر رفاقهما كانوا يظنّون أنّ الأمر انتهى. كانوا يظنّون أنّهم قتلوهم وقُضي الأمر وانتهى". 

طبعاً، الأمر لم ينته. والدليل، بحسب المرشد، هو الانسحاب بطريقة مخزية من أفغانستان، واضطرار واشنطن "إلى التظاهر بالخروج من العراق". صحيح أن واشنطن تتقهقر في المنطقة بعد اغتيال سليماني، لكنها ما زالت ترغب في البقاء. لهذا، "على الإخوة العراقيّين أن يُتابعوا القضيّة بيقظة"، لأن واشنطن مُرغمة على الادعاء بأنها تلعب "دوراً استشاريّاً بعد الآن"، أي "تُقرّ برغبتها عن الوجود عسكريّاً هناك، ولا يمكن لها ذلك. انظروا إلى قضيّة اليمن، وانظروا إلى قضيّة لبنان".

وهذا الكلام الوارد على لسان خامنئي قبل يومين، يُقرن "قضية اليمن" بلبنان، بصفتهما ساحتي حرب ومواجهة بين الولايات المتحدة وإيران (أو محور المقاومة الذي تقوده). كما أن أحداث لبنان دليل على اهتمام أميركي بمواصلة المواجهة مع إيران وحلفائها. 

لبنان لا يظهر غالباً في خطابات خامنئي سوى كساحة حرب مهمتها مواجهة الاستكبار العالمي، أو كنموذج لانتصارات لامتناهية عليه، بالانسجام طبعاً مع السياسة الخارجية الإيرانية ونبوءاتها. وكل ما يحدث في لبنان خارج سياق هذه المواجهة المُحددة (مع إسرائيل أو الولايات المتحدة) هو مؤامرة ينسجها "الأعداء".

بعد 12 يوماً على انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، خرج المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بكلام يربط فيه بين الحراكين اللبناني والعراقي، ورغبة "الأعداء" في زعزعة الأمن. كانت الكلمة رمزية، إذ حصلت خلال مراسم تخرج ضباط كلية العلوم العسكرية الإيرانية، وتحدث فيها بصراحة عن مسألتين: الأولى اعتبار "الحفاظ على الأمن مسؤولية مقدسة وحساسة للقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية" (والقوات الرديفة لها في لبنان والعراق وسوريا)، والثانية "الإشارة إلى مخططات الأعداء لنشر الفوضى وزعزعة الأمن في بعض البلدان بالمنطقة". ولهذا، على "المخلصين والحريصين في العراق ولبنان أن يضعوا علاج انعدام الأمن في أولوياتهم". 

"المخلصون والحريصون" هم طبعاً "الموالون" لإيران في هذين البلدين. وعلى "شعوب هذه الدولة أن تدرك أيضاً أن مطالبهم المشروعة لا يمكن تلبيتها إلا في إطار الأليات القانونية"، أي أن على السوري المنتفض على بشار الأسد، الترشح ضده في الانتخابات الرئاسية، أو على العراقي تقديم شكوى عند المراجع الميليشيوية المختصة، أو على اللبناني المنهوب أن يُقدم شكوى قانونية ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. 

التظاهر مُحرم وهو تآمر مع العدو ضد الأمن والاستقرار. ولا يُوفر المرشد الاحتجاج في العراق ولبنان من أي مفردات سلبية في قاموسه. الحراك من مخططات "اثارة الفوضى وتقويض الأمن" و"أعمال خبيثة" و"أحقاد خطيرة" وراءها "أميركا وأجهزة الاستخبارات الغربية وبتمويل من بعض الدول الرجعية في المنطقة". 

لبنان ساحة حرب بين طرف يُجاهر بولائه لإيران وتفتخر بدورها به، من جهة، وبين أعداء منافقين تُمولهم الولايات المتحدة وأجهزة الاستخبارات الغربية سراً وبصفة استشارية، ويستحون بها وتخجل بهم، من جهة ثانية. 

والوضوح ليس الميزة الوحيدة للطرف الأول، بل تُضاف اليه "البصيرة"، أي القدرة على كشف المستقبل، واتخاذ القرارات الآن بناء على هذه المعطيات. قبل 3 سنوات، نشر موقع المرشد كلاماً له عن افتخار "الجمهورية الإسلامية" بأن "لدينا على حدود الكيان الصهيوني وفوق رأسه قوات حزب الله أو قوات المقاومة أو حركة أمل". هذه القوات التي ذهبت الى سوريا والعراق كانت تملك "بصيرة"، في مقابل من "جلسوا هنا في بيوتهم ولا يفهمون ماذا يحدث وما هي القضية"، كما جاء في الكلمة ذاتها.

امتلاك البصيرة يُضفي قدسية على قرار صاحبها، ويُحيل المعترض عليها الى متآمر على المستقبل أو القدر. وقَدَرُ لبنان وفقاً لهذا الخطاب، هو أن يكون ساحة مواجهة، ممنوع عليها الاحتجاج على سوء إدارة البلاد، أو المطالبة بالتغيير للأفضل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها