الجمعة 2022/01/28

آخر تحديث: 12:38 (بيروت)

دروس أوكرانيا لمنطقتنا؟

الجمعة 2022/01/28
دروس أوكرانيا لمنطقتنا؟
increase حجم الخط decrease

ما يحصل على الحدود الروسية الأوكرانية، هو أحد عوارض طبيعة النظام الدولي الجديد، وتلاشي أحادية القطب، ونشوء عالم متعدد الأقطاب وأكثر قابلية للنزاعات. الحشود العسكرية الروسية (مئة ألف جندي وآليات ومقاتلات)، ليست مجرد رسالة، بل هناك تهديد حقيقي بإعادة تكرار عملية غزو القرم وضمها عام 2014. صحيح أن هناك من لم يفقد الأمل باتفاق على حل الأزمة بشكل سلمي، ولو من خلال تراجع موقت ريثما تتبدل الظروف الروسية. إلا أن تأجيل الأزمة لا ينفي وجودها. ليست روسيا مستعدة للقبول بانضمام أوكرانيا للحلف الأطلسي أو للاتحاد الأوروبي، وبأي انقلاب في موازين القوى. وهو ما يعني بالنسبة للجانب الروسي، نشر صواريخ أميركية وربما قوات على الحدود، بما ينعكس على الأمن القومي وموازين القوى.

بعض الأزمة هو من مقاومة أميركية لفكرة أننا لم ننتقل لعالم متعددة الأقطاب. ذاك أن هناك من يرى في التحالفات الأميركية، إن كان مع أوروبا الغربية أو دول آسيوية تدور في فلك واشنطن، قدرة هائلة تحول مجتمعة دون انهيار أحادية القطب الأميركي. القدرات العسكرية واقتصادات الدول الحليفة لواشنطن في شرق آسيا تفوق مع الولايات المتحدة الاقتصاد الصيني والقوة العسكرية الصينية، أضعافاً. وهذه المقاربة من أهداف السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن الذي يرى مواجهة الصين ومن بعدها روسيا، أولوية. واتساع نطاق الأحلاف الأميركية يُحاصر الجانبين الروسي والصيني.

لهذا، تُحذر واشنطن حلفاءها في العالم، وفي منطقتنا تحديداً من عواقب التقارب الاقتصادي مع الصين، على أساس أن هذه العلاقة لن تقتصر على التنمية، بل ستتجاوزها لضمان تمدد بكين سياسياً من خلال ما تُسميه "فخ الدين".

والمهم أن نتذكر مدى تشابك هذا الصراع مع منطقتنا. على سبيل المثال، هل بإمكاننا فصل  المساعدة العسكرية التركية لأوكرانيا وتحديداً توفير الطائرات دون طيار من طراز بيرقدار، من جهة، وبين الأحداث في الشمال السوري، من جهة ثانية؟ بالتأكيد لا. هذه ساحات مترابطة، وأي تبدل للتوازن في احداها، يُترجم تصعيداً على الجانب الآخر. وهذا درك متقدم جداً من الانكشاف أمام الخارج. أن يُصاب سوري مُقيم في إدلب بصاروخ نتيجة تدخل لدولة أجنبية في معركة تحصل على قارة ثانية، مرحلة متقدمة للغاية من الانكشاف أمام التدخلات الخارجية.

لكن هناك انعكاسات أيضاً علينا في حال عدم الحرب أو المواجهة العسكرية، والتوصل الى تسوية بين الجانبين الروسي والأميركي-الأوروبي في أوكرانيا. ذاك أن الولايات المتحدة تُظهر تراجعاً أمام الجانب الروسي، وبالتالي قد تحصل محاولة من موسكو لاعادة التفاوض في أماكن أخرى، ومنها سوريا. وقد يُعطي أي تقدم روسي في أوكرانيا، دفعاً لجهود موسكو للعب دور أكبر أو تحقيق تقدم في ساحات أخرى مكشوفة بالمنطقة. هل نرى حينها محاولة لاقتطاع بعض المناطق من قوات سوريا الديموقراطية في شرق البلاد؟

وهذا واقع لا ينسحب فقط على الساحة الأوكرانية ووضعها بل يتجاوزها في عالم باتت توازناته قيد التشكيل. الموقف الصيني في أوكرانيا لافت. واليوم أيضاً بإمكاننا قراءة المناورات البحرية الصينية-الروسية-الإيرانية بإطار مختلف بعد دخول طهران الى منظمة شنغهاي للتعاون. زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى موسكو والحديث عن تطور استراتيجي في العلاقات بين البلدين، أيضاً له انعكاسات على الوضع السوري والى حد ما، اللبناني.

وهناك في منطقتنا كذلك وقعٌ لكلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن الانفتاح على الحوار و"فتح مجال للدبلوماسية" وتحذيره من أن "بعض الأميركيين قد يعلقون إذا غزت روسيا أوكرانيا وقد لا نتمكن من التحرك لإخراجهم". ذاك أن هذا الوهن الأميركي يُوحي لحلفاء واشنطن في المنطقة بأنها لن تحميهم ولن تتدخل في حال تعرضهم لتهديد بالغزو. واليوم بات للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، معنى آخر عمّا كان عليه في الثمانينات والتسعينات وصولاً الى نهاية العقد الأول من الألفية الثانية وانطلاقة الربيع العربي. واشنطن ستتخلى عن حلفائها لو تعرضوا لاعتداء، ولا توجد خطوط حمراء، بل التوجه هو غالباً إلى تجنب الانخراط في نزاعات.

في هذا العالم، للوجود العسكري الروسي أو التركي أو ربما الإسرائيلي والإيراني أهمية أكبر. وهذا المنظار سيُعيد تشكيل توازن القوى وخريطة النفوذ والانتشار العسكري في منطقتنا. هي ساحة شديدة التفاعل مع التحولات الدولية مهما كانت بعيدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها