الجمعة 2021/09/10

آخر تحديث: 20:58 (بيروت)

حكومة المواجهة مع غالبية اللبنانيين

الجمعة 2021/09/10
حكومة المواجهة مع غالبية اللبنانيين
increase حجم الخط decrease

شُكلت الحكومة بعد أكثر من سنة من استقالة سابقتها، لكن هل بإمكانها اجراء الإصلاحات المطلوبة وانتشال البلاد من الانهيار؟ وكيف ستُوزع الخسائر؟ وأي دور للقوى البديلة أو ما تبقى منها على الأرض؟

لم يكن هناك أكثر من مشهد تشكيل الحكومة وتعقيداتها، واللقاءات المكوكية والخلافات الدورية، لفهم طريقة العمل خلال الفترة المقبلة. صحيح أن الحكومة وُلدت اليوم، وهي تملك صلاحيات تنفيذية، لكن الوزير لا يحكم في لبنان، وغالباً ما يعود لقيادته السياسية في القرارات الأساسية، في حين تقف الشبكات الحزبية في الوزارة عائقاً أمام أي سياسة غير توافقية. لهذا، الاستنتاج الأول الذي بالإمكان الخروج به بعد تشكيل الحكومة، هو أن أي إصلاح حقيقي سيتطلب مفاوضات شاقة بين أركان الطبقة السياسية، وهذا يحتاج الى وقت لا تملكه.

بيد أن الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية كانت حددت  ستة إصلاحات أساسية، وهذه الحكومة قادرة مبدئياً على تحقيق إنجازات في اثنتين منها فحسب. المطلوب هو إصلاح النظام القضائي، وعمليات المناقصة الحكومية، ومكافحة الفساد، وقطاع الطاقة، إعادة هيكلة النظام المصرفي والمالي (منها دمج المصارف، وتوحيد سعر الصرف) وأيضاً إجراء تدقيق جنائي في مصرف لبنان. 

بالإمكان تحقيق إنجازات في مجال الطاقة، في حال تمكن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من اختراق "الدولة العميقة" في هذه الحقيبة، وألغامها الإدارية والسياسية. لكن "الإنجاز" في مجال الطاقة يحتاج أيضاً الى رفع الدعم عن الكهرباء، ما يُرتب فاتورة باهظة لن يقدر الناس على تسديدها. كيف يتجاوز ميقاتي هذه الصعوبات؟

إذا نجح ميقاتي في تأمين استقرار سعر الصرف وتوزيع البطاقة التمويلية، سيُتيح ذلك رفع الدعم بشكل أكثر سلاسة، والتخفيف من أزمة المحروقات والدواء، وهي الاستحقاق الداهم اليوم أمام الناس. لكن من المستبعد حماية الأكثر فقراً بشكل كامل مع تبخر القدرة الشرائية لغالبية السكان، وأيضاً في ظل توجهات ميقاتي ووزير ماليته المحسوب على حركة "أمل" وحاكم مصرف لبنان. 

من المتوقع أيضاً أن يفشل رئيس الحكومة في مكافحة الفساد وتأمين الشفافية في اجراء المناقصات، وإقرار قانون اصلاح القضاء ووقف التعيينات السياسية في هذا الجهاز، وفي انهاء التدقيق الجنائي في مصرف لبنان. هذه مهمات مستحيلة في نظام توافقي قائم على المحاصصة في كل شيء.

لكن يبقى أن الإنجاز في قطاع الطاقة وإعادة هيكلة القطاع المالي وجذب الاستثمارات الخارجية وتأمين بعض الإدارة (والحد الأدنى من الحماية الاجتماعية) لعملية رفع الدعم، هي عناصر كافية لتحقيق نقلة نوعية من المسار الحالي.

رغم أن مستوى التوقعات بات منخفضاً، وبإمكان هذه الحكومة الإنجاز، إلا أن احتمالات التخريب الإقليمية والمحلية قائمة. لن يكون رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وفريقه السياسي سعداء بأي انجاز لميقاتي، لكن قدرته على التخريب محدودة، وسيف العقوبات دائماً مُسلط عليه. كما يرى خصوم "حزب الله" في تشكيل الحكومة وإدارة الانهيار، تخفيفاً للضغط عن التنظيم، وهذا قد يقودهم أيضاً الى محاولة التخريب والعرقلة.

باختصار، ميقاتي قادر على انجاز بعض الإصلاحات، لكن دون ذلك تحديات متنوعة.

ماذا عن القوى البديلة الفاعلة (عدا تلك التي تحولت الى منظمات غير حكومية ممولة من الخارج) أو ما تبقى منها؟

الواقع أن الانهيار المفتوح الأجل بصيغته السابقة كان مُدمراً لهذه القوى، إن كان لجهة عدم قدرتها على التأقلم مع مفاعيل الوضع والعنف الناجم عنه، أو لناحية الهجرة. حقيقة أن هناك حكومة توافق بين القوى السياسية، تُدير الانهيار وتُخفف من عوارضه ولا تُنهيه، وتتخذ إجراءات مؤلمة، تفتح مجالاً لتجديد النشاط السياسي البديل. 

بإمكان القوى البديلة اليوم معاودة نقد السلطة في سياساتها وخياراتها، وإحراجها في انحيازها لمصالح الكارتيلات أمام الرأي العام. الإنهيار الشامل أظهر أيضاً عجز القوى البديلة عن الاستمرار، في مقابل نشاط ريعي متزايد لأقطاب السلطة نظراً لإمكاناتها. تشكيل الحكومة يُتيح لهذه القوى مساحة للملمة صفوفها ومحاولة انتاج بديل، وأمامها الكثير من العمل لإنجاز ذلك.

ذاك أن هذه الحكومة في نهاية المطاف، تُمثل السلطة وأقطابها ومن ضمنهم حاكم مصرف لبنان، وبالتالي أولويتها حماية مصالحهم ومحاولة التوفيق بينها وبين الإصلاحات المطلوبة دولياً للحصول على مساعدات واستثمارات. والمفقود هنا كالعادة، تمثيل غالبية سكانية باتت تحت خط الفقر، وترغب السلطة في تدفيعها ثمن عمليات النهب الكبرى سابقاً. هذا عنوان المواجهة التي تبدأ مع اليوم الأول لبدء هذه الحكومة عملها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها