الأحد 2021/05/30

آخر تحديث: 08:21 (بيروت)

لاريجاني وثنائية المطرقة والمعسكر

الأحد 2021/05/30
لاريجاني وثنائية المطرقة والمعسكر
© Getty
increase حجم الخط decrease

بعد الثنائية التي كرسها وزير الخارجية محمد جواد ظريف بين الدبلوماسية والعسكر او بين الدبلوماسية والميدان، والتي تحولت الى معضلة ومصدر اسئلة كثيرة حول الدور الذي تلعبه مؤسسة عسكرية مهمتها حماية الثورة والنظام من التهديدات الامنية والعسكرية الداخلية والخارجية التي قد تهدد ايران وثورتها ونظامها، وتعاظم نفوذها داخل كل قطاعات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية والانتاجية والزراعية والانمائية والبنى التحتية والاعمار والنفط والغاز وصولا الى ما كشفه ظريف او سلط الضوء عليه بشكل واضح ومباشر عن دورها في رسم السياسات الخارجية والمواقف الدبلوماسية وجهازها الاداري والدبلوماسي، وتوظيف قدرات ومقدرات هذه الوزارة لخدمة السياسات والمشاريع العسكرية التي تقوم بها في الاقليم وتقديم رؤيتها على ضرورات ومصالح العمل الدبلوماسي. 

بعد هذه الثنائية، جاء دور رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني المستبعد من السباق الانتخابي عن سابق تصميم واصرار من مراكز القرار في النظام السياسية والعسكرية والامنية، ليكرس ثنائية جديدة بين المطرقة التي يحملها إبراهيم رئيسي منذ دخوله في آليات السلطة والنظام وصولا الى تربعه على رأس السلطة القضائية، وبين المعسكر او الثكنة العسكرية الذي وان كان لا يملك تمثيلا واضحا ومباشرا بين المرشحين الذين سمح لهم الاستمرار في السباق الانتخابي، باستثناء ما يشكله محسن رضائي من مجرد تنويع لا يملك قدرة التأثير السلبي على المسار العام لما يراد له ان يخرج من صندوق الاقتراع، الا ان هذا الطرف الاخر للثنائية الجديدة، يعتبر العامل المتحكم بمفاتيح القرار والتوجهات والقرارات النهائية لما يجب ان تكون عليه آليات عمل السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية وجهازها الحكومي والاداري في المرحلة المقبلة، وذلك بامساكه بخيوط اللعبة من خلف الكواليس ممثلا ومتناغما مع ارادة عليا تملك حق تحريك الاحجار على رقعة اللعبة السياسية وتبديل مواقع الجنود والبيادق بما يخدم الهدف الاعلى بالحفاظ على بقاء النظام واستمرار امساكه بكل التفاصيل وتسييرها بما يخدم اهدافه الاستراتيجية. 

قرار اعدام لاريجاني السياسي والانتخابي قد اتخذ مبكرا بالتزامن مع التصريحات التي ادلى بها بعد تقديم اوراق ترشحه في وزارة الداخلية في اليوم الاخير من المهلة القانونية، عندما هاجم المرشحين المنافسين وتحديدا ابراهيم رئيسي والقيادات العسكرية او تلك التي دخلت السباق برضى من هذه المؤسسة، واعتبر ان المرحلة المقبلة من تاريخ ايران والدولة لا تدار بعقلية المطرقة – التي يحملها رئيسي، ولا بعقلية الثكنة – التي جاء منها الجنرالات او من يمثلهم، ما اعتبر استعادة او اعادة احياء بشكل مختلف للثنائية التي كرسها ظريف قبل اسابيع في تسريبه الصوتي وتحدث فيها عن الدبلوماسية والميدان. الامر الذي اثار مخاوف قيادة النظام او الدولة العميقة التي تحاول صرف الانظار والتركيز والاهتمام عن هذه الثنائيات التي تؤشر على الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية ومن المفترض ان تستكمل او ان تنتهي مراحلها الاخيرة مع الرئاسة الجديدة،  بحيث لا تعود الاصوات المغايرة او المعارضة من التأثير على مسارات الامور او تشكيل تحدٍ للسلطة باي مستوى من المستويات. لذلك لم تتردد هذه القيادة او الدولة العميقة في اتخاذ قرارها باعدامه سياسيا او اعدام طموحاته في الانتقال الى رئاسة السلطة التنفيذية وان يكون مصدر قلق سياسي واداري ومنهجي قد يعيق عملية الانتقال التي تريدها وتسعى لها، خصوصا في ظل ما تحمله المرحلة المقبلة من وعود بالانفتاح السياسي الدولي والاقليمي والنهوض الاقتصادي المأمول بعد الخروج او التخلص من نير العقوبات الاقتصادية. 

التخلص من مصادر القلق او التي قد تشكل تهديدا للمسار المرسوم في استكمال دائرة السيطرة على مفاصل القرار في مؤسسات الدولة بما هي جزء تنفيذي وتعبير ظاهري عن آليات النظام الديمقراطية، برز بشكل واضح في موقف المرشد الاعلى للنظام الذي دافع بشدة عن قرارات مجلس صيانة الدستور من دون اي اشارة الى امكانية التدخل لتعديلها باستخدام صلاحياته فوق الدستورية، لكنه في المقابل اعترف بالدور والخدمات التي قدمتها الشخصيات المستبعدة، خصوصا لاريجاني، للنظام واهدافه واستراتيجياته. وقلل من تأثير هذه الاقصاءات على مستوى المشاركة الشعبية معتبرا ان الخطاب والبرنامج الذي سيقدمه المتنافسون بقدر ما يكون مقنعا وواقعيا سيكون كفيلا بجلب الشعب الى صناديق الاقتراع ورفع نسبة المشاركة. 

ما لم يقله المرشد الاعلى، قاله عضو مجلس خبراء القيادة ورئيس مؤسسة آل البيت الشيخ محسن اراكي، الذي اعتبر ان المعنى الحقيقي للانتخابات هو اعلام الشعب بانصياعه وانقياده الى نظام التشكيلات الالهية، التي يأتي في مقدمتها الرسول الاكرم وبعده في عصرنا الامام الزمان المهدي محمد بن الحسن (الامام الثاني عشر لدى الشيعة الاثنا عشرية) ويمثلها نيابة عن الامام المهدي اليوم ولي الفقيه. ورأى ان المهمة الان هي مساعدة "قائدنا وولينا" الذي هو ولي الفقيه بان ننتخب ذراعا تنفيذية جيدة لمساعدته في ادارة الامور، معربا عن امله بان يقوم الشعب بانتخاب رئيس جمهورية يسعى للتغيير ومجاهد ومخلص وعملي، وان يكون "رجل الميدان" اي ان يسقط الثنائية التي حاول البعض تكريسها في ادارة النظام مرة بين الدبلوماسية والميدان، ومرة اخرى بين المطرقة والثكنة. لكن الاخطر في كلام اراكي هو اعتبار كل شخصية تعمل على اضعاف مؤسستي البسيج  حرس الثورة بانه "خيانة للشعب ومخالف للشرع" وان الرئيس المطلوب هو الشخص الذي لا يعمل على اضعاف هذه المؤسسات، وان الاعتراض على قرارات مجلس صيانة الدستور هو اعتراض على جمهورية واسلامية النظام. 

يبدو ان النظام واجهزته استطاع العبور من اشكالية الثنائية ويتجه نحو حسم سيطرته النهائية والمباشرة في التحكم بالمؤسسات ذات الطابع الشعبي او الانتخابي في هرمية مؤسساته، والاسابيع المقبلة قد تشهد جهودا لترتيب الصفحة الاخيرة من العملية الانتخابية بحيث يكون قادرا على تمهيد الطريق ونزع الاشواك والالغام امام الرئيس الذي يريده على رأس السلطة التنفيذية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها