الإثنين 2021/12/06

آخر تحديث: 07:19 (بيروت)

إشارات لبنانية من "داعش"

الإثنين 2021/12/06
إشارات لبنانية من "داعش"
increase حجم الخط decrease

قبل شهر، وتحديداً في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، اجتمع 22 جهاز مخابرات عربياً في القاهرة برئاسة رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل. كان العنوان الأساسي لهذا الاجتماع الذي شارك فيه لبنان، آثار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، واحتمالات انعكاسه على القوى "الجهادية" الاسلامية، وإعادة انتعاشها.

صحيح أن الاجتماع خلط الحابل بالنابل، إذ جمع عناوين عامة مثل "مخططات التفكيك والتقسيم على أسس عرقية وطائفية، وإضعاف الدولة الوطنية، وتزايد التدخلات الخارجية في أزمات المنطقة" و"مكافحة الإرهاب والتطرف"، مع قضايا محددة مثل "الجريمة المنظمة". لكن ظهر شبه اجماع بين الحاضرين على نقطة أساسية: تنظيم "داعش" سيستفيد من انتصار "طالبان" والفوضى الأفغانية اللاحقة بغض النظر عن وعود الحركة بعد سيطرتها على البلاد.

والواقع أن عناصر صعود حركة "داعش" مجدداً جميعها متوافرة اليوم، إن كان لجهة تصاعد النقمة على دور ايران وحلفائها في العراق، أو لناحية الفساد والفشل المتواصلين في إدارة دول المنطقة، أو الفوضى وتفكك الدولة وانحسار أفق التغيير وقمعه. يُضاف الى كل ذلك أن الولايات المتحدة انسحبت بعد حوالى عشرين سنة متواصلة من الحرب على "طالبان" في أفغانستان، وفي هذا درس للحركات الجهادية المهزومة في المنطقة، ودفعة معنوية لها.

وبالفعل، شهدت الأسابيع الماضية عمليات لـ"داعش" في شمال العراق، كانت البشمركة في قائمة أهدافه. وكان التنظيم قادراً للمرة الأولى منذ شهور طويلة على السيطرة على بلدة لهيبان الشمالية في محافظة كركوك وطرد سكانها. وفي شرق سوريا كذلك، قتل عناصر التنظيم عمالاً في شركة نفط، وسبق أن اغتال كذلك مستشارين عسكريين إيرانيين في محافظة دير الزور التي كانت خاضعة لسيطرته في سنوات تمدده العابر للحدود. وفي لبنان، تتوالى التقارير عن عشرات اللبنانيين في الشمال ممن تمكنوا من الانضمام الى "داعش" خارج البلاد، ومثلهم ممن تمكنت السلطات من ايقافهم وإعادة صغار السن منهم لعائلاتهم. وهناك قلق من عودة بعض هؤلاء العناصر، وجميعهم شباب، لتنفيذ عمليات في لبنان وزيادة منسوب الفوضى فيه.

غالباً، بالإمكان رصد ارتفاع في منسوب عمليات "داعش" في أنحاء العالم بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان. هذا صحيح، لكن لهذا أيضاً أسباباً ومسؤولية سياسية. ذاك أن بين ظروف نمو التطرف، وهي متوافرة في منطقتنا، مزيج الفساد والفشل الحكومي المستدام، مع القمع العنيف لأي احتجاجات أو حركات معارضة وتصفية البدائل الممكنة. من المحتوم أن يُنتج إغلاق أي أفق تغيير في مجتمعاتنا في ظل الفشل السياسي والاقتصادي المتواصل في إدارة شؤون البلاد، تطرفاً وهجرة غير شرعية. 

وهذه شروط متوافرة اليوم أكثر من أي وقت مضى في لبنان حيث يتواصل الانهيار ويزداد الناس فقراً، في حين ترفع السلطة منسوب القمع. وهذا مزيج يدفع الناس لخيارات منها المقامرة بالهجرة بحراً بقوارب غير آمنة، أو الجريمة أو الانضمام الى منظمات متطرفة في الخارج. يختفي المرء في لبنان اليوم ولا يعلم أهله إن انضم لداعش أو قضى غرقاً في مركب. كله وارد في بؤر الفقر اللبنانية اليوم.

صحيح أن السلطة السياسية تحصل على مساعدات خارجية كلما ارتفع منسوب الهجرة غير الشرعية والتطرف الإسلامي، كونها قادرة على "مكافحة" هذه الظواهر. وربما تستفيد أيضاً سياسياً من خلال أي أعمال إرهابية، إذ تقدر حينها على تبرير تأجيل استحقاق الانتخابات. لكن السلطة عملياً هي المسؤولة الأساسية عن خيار هؤلاء الشباب الانضمام لتنظيمات متطرفة.

هذا اليأس من صنع القادة السياسيين في البلاد، ومنه ينبع التطرف والادمان والجريمة. لكن أركان السلطة، وكما عودونا دائماً، يقتلون القتيل ويمشون في جنازته. 




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها