الجمعة 2021/11/12

آخر تحديث: 06:55 (بيروت)

قبرص أمامنا والانهيار خلفنا

الجمعة 2021/11/12
قبرص أمامنا والانهيار خلفنا
increase حجم الخط decrease

"ساعدونا، معنا نساء وأطفال... نحن من لبنان". شاب لبناني من آل إسماعيل تحدث الى صحيفة تركية (ديلي صباح) عن معاناته في بحر إيجه، إذ صادفت مراكبهم دورية بحرية يونانية. الصحيفة التركية ادعت بأن القوة اليونانية صادرت المراكب وأعطت اللاجئين اللبنانيين 4 قوارب مطاطية لتعطيل حركتهم، وأيضاً أخذت ما يملكونه من أموال، ورمت حليب الأطفال، ومن ثم اتصلت بالبحرية التركية لإبلاغها بوجوب تنفيذ عملية انقاذ. وحين وصول القوة البحرية التركية، فُوجئت بأن هناك 32 طفلاً وأربعة رُضّع، وامرأة حامل في شهرها الثامن، و45 رجلاً.

هذا الشهر، وبشكل غريب، باتت هناك أعداد متزايدة من المهاجرين اللبنانيين بحراً، وهي رحلة خطيرة. في الموضوع التركي عينه، يتحدث إسماعيل عن قراره اصطحاب زوجته وأطفاله الثلاثة في مركب، وبتوجيه من مهرّب علّمه القيادة بشكل موجز وبدائي، بهدف الوصول إلى الشواطئ الإيطالية والانتقال منها الى ألمانيا مع العائلة.

بغض النظر عن الرواية التركية لما حدث، وهي منحازة على الأرجح، الواضح أن هناك موجة لجوء جديدة بالبحر الى أوروبا، أكان إلى قبرص أو جزر يونانية. بعد أيام من الحادثة اليونانية-التركية الأسبوع الماضي، اعترضت الشرطة القبرصية مركباً فيه 61 سوريا ولبنانياً بينهم 28 طفلاً واقتادتهم إلى بافوس على الشاطئ الشرقي لقبرص.

لكن لماذا تحصل هذه الأزمة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، في ظل ظروف مناخية غير مواتية (اللبناني إسماعيل وعائلته تعرض لعاصفة أوصلته للقوة اليونانية)؟

التفسير القبرصي واليوناني طبعاً يميل الى اتهام الجانب التركي، كون الرئيس رجب طيب أردوغان يرغب في افتعال أزمة لجوء جديدة مع الاتحاد الأوروبي لاعادة التفاوض في خصوص اتفاقية آذار (مارس) عام 2016 بين الجانبين لوقف تدفق اللاجئين الى الأراضي الأوروبية. وربما تدعم الاتهامات التركية للجانب اليوناني بالتعاطي بوحشية مع اللاجئين، هذا الكلام. لكن أنقرة أيضاً جهدت خلال الأسابيع الماضية في رد الاتهامات من بيلاروسيا أنها مسؤولة عن تدفق آلاف اللاجئين من الشرق الأوسط، عبر الحدود، إلى الجانب البولندي. وارسو نفسها فسّرت الارتفاع في عدد اللاجئين الذين يعبرون الحدود، الى رغبة بيلاروسية في الانتقام من الاتحاد الأوروبي لفرضه عقوبات عليها.

إذن، لماذا تحدث هذه الموجة اليوم؟ اللجوء يحدث خلال فترة انهيار اقتصادي ومالي واسع في لبنان وسوريا، وبالتالي من غير المستبعد أن يكون الجانبان خففا من اجراءاتهما الأمنية لوقف ومكافحة ظاهرة الهجرة بحراً. لن يمر وقت طويل قبل اقدام الاتحاد الأوروبي على التواصل مع الجانب اللبناني للمساعدة في ضبط الحدود البحرية، ذاك أن الناطق باسم الحكومة القبرصية ماريوس بيليكانوس صرح بأن قبرص تواجه "تغييراً ديموغرافياً" وفقاً للبيانات، و"آثاراً اقتصادية-اجتماعية شديدة" نتيجة أزمة الهجرة الجديدة، في إشارة الى تدفق آلاف اللاجئين. لهذا السبب، بحسب الناطق ، ستقدم قبرص طلباً الى المفوضية الأوروبية للحصول على حق وقف طلبات اللجوء لمن يدخل البلاد بشكل غير شرعي. ذاك أن قبرص تحصل على أعلى عدد من طلبات اللجوء نسبة لعدد السكان، في الاتحاد الأوروبي بأكمله، وهي شهدت هذا العام ارتفاعاً بنسبة 32 بالمئة نتيجة الدور التركي المزعوم في تسهيل الهجرة غير الشرعية، وأيضاً الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان.

اللافت أن قبرص، وفقاً للناطق الحكومي عينه، طالبت المفوضية الأوروبية بتوفير إجراءات طارئة لمواجهة أزمة متصاعدة.

الخطر لبنانياً، أن المدنيين باتوا عُرضة لتسهيلات محلية، مقصودة أو نتيجة الانهيار، من جهة، والإجراءات القاسية، وربما الإجرامية، على الجانبين القبرصي واليوناني، من جهة ثانية. هي وصفة لكارثة إنسانية على كل الأطراف العمل لتجنبها.





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها