الأحد 2021/01/17

آخر تحديث: 07:34 (بيروت)

واشنطن وإيران:خيار محاصرة الحرب

الأحد 2021/01/17
واشنطن وإيران:خيار محاصرة الحرب
increase حجم الخط decrease
لم يكن مستغربا ان تتحرك رئيسة مجلس النواب الامريكية نانسي بلوسي باتجاه وزارة الدفاع "البنتاغون" لبحث مسألة محاصرة خيارات الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب العسكرية، والقيام بخطوة احترازية واستباقية تمنع الرئيس من اللجوء الى استخدام "الازرار النووية" لتوجيه ضربة نووية ضد أي هدف خارج امريكا خصوصا داخل  ايران. مساع أو مخاوف رد عليها ترمب بحركة استعراضية بخروجه من واشنطن بعد يوم واحد من خطوة بلوسي برفقة الحقيبة النووية لرفع منسوب القلق لدى معارضيه، وربما لصرف الانظار عما يجري التحضير له للقيام بـ "غزوة الكابيتول". 

وعلى بعد خطوات لخروجه من البيت الابيض، وفي اجراء قد يحمل في المستقبل الكثير من الدلالات ويضع الشرق الاوسط امام تحديات حقيقية على المستوى العسكري والامنية، اعلن ترمب ووزارة الدفاع نقل الكيان الاسرائيلي من مسؤوليات القيادة الاوروبية الى مسؤوليات القيادة المركزية بعد انخفاض التوترات بين اسرائيل وجيرانها العرب، معتبرا ان هذه الخطوة "فرصة استراتيجية لوزارة الدفاع لجميع الشركاء الرئيسيين في مواجهة التهديدات المشتركة". ما يعني في المنظور الايراني ان القوات الاسرائيلية اصبحت جزءاً من قوات القيادة المشتركة الوسطى التي صنفتها طهران ارهابية ردا على إدراج واشنطن لقوات حرس الثورة على لائحة المنظمات الارهابية، ما يعني ان العمليات التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي باتت في نطاق عمليات القوات المسلحة الامريكية، وبالتالي فانها اصبحت معنية في حال قامت ايران باستهداف اسرائيل ردا على اي اعتداء تتعرض له مواقع قواتها على الاراضي السورية. 

هذا الارث الذي يتركه ترمب لخلفه الرئيس الجديد جوزيف بايدن قبل دخوله الى البيت الابيض، يقابله سعي ايراني للابتعاد عن الانزلاق الى اي نوع من المواجهة العسكرية بالتوقيت الذي كان يرغب فيه ترمب او تل ابيب، ويتعزز الاعتقاد بهذا الجهد الايراني مع مرور الذكرى السنوية الاولى لاغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني بأوامر مباشرة من ترمب، اذ وعلى الرغم من التأكيد المتكرر بان الرد على هذا الاغتيال سيأتي وان استهداف قاعدة عين الاسد العراقية لا يشكل الرد المطلوب، الا ان الاصرار الايراني على خروج القوات الامريكية من منطقة غرب آسيا قد يكون الرد الذي تقبله طهران خصوصا وانه ينسجم مع الموقف الذي اعلنه  سفيرها في بغداد الجنرال ايرج مسجدي من ان الرد على الاغتيال ليس بالضرورة عسكريا بل قد يكون سياسيا. وفي هذا الاطار فقد مارست طهران الكثير من الالتفاف على اي احتمال لوقوع الحرب مع واشنطن، لاعتبار ان اي حرب محتملة ستكون لغير صالحها وقد تعرقل مساعيها في الوصول الى الاهداف الاستراتيجية التي تريدها في المنطقة، خاصة ما يتعلق بمسألة تعزيز وجودها ونفوذها في الاقليم. 

في المقابل، فان تحرك الحزب الديمقراطي السريع لتكبيل يدي ترمب وقطع الطريق عليه للجوء الى الخيار العسكري في اخر ايام ولايته، يأتي من قناعة لدى الديمقراطيين بان الحرب تعني امكانية ان تذهب ايران في خياراتها السياسية والعسكرية والنووية الى حدودها القوى، ما يؤثر تاليا على الاستراتيجية هذا الحزب باستعادة دور وقوة الولايات المتحدة للعب دورها التاريخي في قيادة العالم والذي تأثر كثيرا بالسياسات التي اتبعها ترمب. 

ويبدو ان الطرفين الامريكي – الديمقراطي والايراني – المحافظ يعتقدان بامكانية التوصل الى مساحات مشتركة تساهم في حصول تواصل وتفاهم وتفاوض بينهما، خاصة وان القنوات الدبلوماسية بينهما وامكانية توظيفها او استغلالها مازالت قائمة ولم تقفل. وقد برز هذا التناغم بين طهران والديمقراطيين من رهانات بعض دوائر القرار الايراني بخروج ترمب من الرئاسة وان المرحلة تتطلب من النظام اللجوء الى اعتماد مبدأ "الصبر الاستراتيجي" بانتظار النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات الامريكية، وهو في هذا الاطار لم يقطع او يحطم جسور التفاهم مع واشنطن، بل ترك باب العودة عن جميع الخطوات "التصعيدية" في الملف النووي وتقليص التزاماته بالاتفاق ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم، مفتوحا كمدخل لاستخدامه ورقة للتفاوض على الطاولة. 

طهران التي تدرك حاجة المجتمع الدولي للحفاظ على الاتفاق النووي، لان انهياره قد يشكل انهيارا للمنظومة الدولية التي يمثلها مجلس الامن الدولي وقد يتحمل هذا المجتمع مسؤولية ما قد  تصل اليه الامور، لذلك جاءت مبادرة المرشح – الرئيس الديمقراطي بايدن مبكرا وخلال حملته الانتخابية بارسال مؤشرات ايجابية حول نيته العودة الى التفاهم مع طهران من بوابة العودة الى الاتفاق النووي مع بعض التعديلات التي فرضتها المستجدات الناتجة عن التطورات التي شهدتها السنوات الاربع الاخيرة، اي محاولة توظيف ما قام به ترمب لتحسين شروط التفاوض وكبح جماح طهران في التمدد الاقليمي وامتلاك قدرات عسكرية غير تقليدية تشكل مصدر قلق لحلفاء واشنطن في المنطقة. 

وعلى الرغم من النبرة العالية والسقف المرتفع الذي يتحدث به القادة العسكريون في حرس الثورة والجيش الايرانيين، الا ان القيادة الايرانية على جميع مستوياتها تدرك وتعرف ان اي حرب بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية لن تكون في صالح ايران على جميع المستويات، حتى وان استطاعت الحاق الاذى بقواتها في المنطقة او بحلفائها. وان اي خسارة قد تلحق بها ستكون لصالح اعدائها وقد تجبرها على الانسحاب من المنطقة والتراجع لصالحهم، خاصة لصالح اسرائيل والسعودية، لان اي حرب ستكون منهكة لها ولن تستطيع تحمل اثمانها على المدى البعيد ما يجعل امكانية الحفاظ على نفوذها الاقليمي ضئيلا.

وعلى فرض ان هذه الحرب قد حصلت، فانها لن تكون ذات نفع لايران، بل في صالح اعدائها الاقليميين وتحقق الهدف الامريكي باخراجها من مناطق تمددها، الا انها ستترك تأثيرا سلبيا على الصورة الامريكية التي قد تواجه حالة تشبه الحالة التي واجهتها في العراق.  ما يعني ان معادلة النفوذ الاقليمي لايران تقوم على تناغم واضح بين الحفاظ على الاستقرار والهدوء في المنطقة الذي يوفر الارضية لتوسيع نفوذها وتعزيزه وتكريسه. 

هذه المعطيات تعزز التوجه لدى الادارة الامريكية الجديدة بامكانية التفاهم مع النظام الايراني في اطار تسويات نووية واقليمية وصاروخية، تحفظ للطرفين الخطوط الحمراء التي وضعاها، وعليه فان الطرفين يدركان بان حصول حرب بينهما لن تكون في صالح اي منهما، وان المستفيد منها اخرون يسعون لتكريس ادوارهم الدولية على حساب واشنطن، والاقليمية على حساب ايران. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها