الجمعة 2020/08/14

آخر تحديث: 17:06 (بيروت)

سؤال الثورة

الجمعة 2020/08/14
سؤال الثورة
increase حجم الخط decrease
وسط عجقة المبادرة الفرنسية والزيارات الدبلوماسية المتواصلة على أكثر من مستوى، يُطرح سؤال مشروع لم يجد له صدى الى الآن: أين الثورة أو القوى الممثلة لها؟ ذاك أننا اليوم أمام مفصل تاريخي لا بد معه من التفكير بتمثيل القطاعات المشاركة في الثورة، والتي قدمت شهداء وجرحى وتضحيات جمّة يُفترض بالقيمين عليها التعالي على الشخصنة وتشكيل ائتلاف واسع قادر على الضغط في اتجاه أو آخر. عندما جاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، جمع قوى الأمر الواقع، أي أهل السلطة (ومن بينهم المتنكرون بلباس المعارضة أو الثورة)، على طاولة واحدة. حتى لو كانت نواياه تغييرية في لبنان، لم يكن ماكرون ليجلس مع مجموعة فيها عشرة أو مئة شخص، (وهي ربما كحال مجموعات كثيرة اليوم، على وشك التفكك نتيجة صراعات داخلية ضحلة).

بكلام آخر، تحتاج الثورة والقوى التغييرية المنضوية فيها، إلى تشكيل ائتلاف جدي يطرح مطالب مُحددة منها عملية انتقالية حتى اجراء الانتخابات (في موعدها لإتاحة نمو التنظيمات ونضوجها قبل الخوض في معركة ليست بالهينة مع قوى السلطة المتجذرة في مناطق نفوذها ومؤسسات الدولة وأجهزتها).

من الضروري تشكيل ائتلافات متعددة ومظلات لتمثيل مروحة واسعة من المجموعات في المناطق كافة. لكن هنا أيضاً، تبرز حاجة لتحديد بعض المحاذير والمعايير، نظراً للتجربة اللبنانية المريرة مع الأحزاب.

أولاً، في المحاذير، وفي إطار تشكيل الائتلافات، هناك فارق بين صنفين من قوى الثورة. الأول هو المجموعات المُشكلة حديثاً من الأرض ومن شباب وشخصيات انخرطت في العمل التنظيمي في مواجهة قوى السلطة. لدى هؤلاء قدرة على النزول الى الشارع وتنفيذ اعتصامات واحتجاجات حازت على اعجاب الناس وانتباه الأجهزة التي تعمل على احباطها والتضييق على الناشطين. وهذه المجموعات تميل غالباً الى اليسار في النظرة الى ضرورة توزيع الخسائر بشكل عادل، ولتحميل المصارف والطبقة السياسية قسطاً مهماً من فاتورة الانهيار. 

الصنف الثاني هو رجال الأعمال والسياسيون ممن أعلنوا انضمامهم للثورة ويحاولون التأثير فيها. وهذه الشخصيات هي الأكثر حركة في اطار البحث عن ائتلافات واطارات جامعة، رغم عدم ارتباط معظمها بالشارع المنتفض، بل نجد أن لها صلات قديمة حزبية وعائلية ومصلحية-اقتصادية بالطبقة السياسية ووسائل الاعلام التقليدية. لهذا، تتعرقل الائتلافات النابعة من هذا الصنف، لكنها في الوقت ذاتها ونظراً لإمكاناتها، هي المبادرة غالباً للتنظيم. كيف لمجموعة شبابية أن تنضوي في ائتلاف مع نائب متمول أو صهر لرئيس الجمهورية أو قائد حزب تقليدي أو رجال اعمال وأصحاب نفوذ ورساميل ونجوم اعلامية، من دون أن تواجه خطر البلع. هذه الشخصيات النافذة قادرة على التنظيم والتمويل والظهور اعلامياً والتواصل مع العالم الخارجي، فيما المجموعات وأصواتها ستذوب في غياهب النسيان.

كما تأتي هذه القوى السياسية، بأجندة مسبقة تُوحي بعدم الالتزام بتغيير شامل، كما يطمح كثيرون في الثورة، بل تشي برغبة في العودة للسلطة والتعايش مع مكوناتها، ولكن بحجم مختلف، أي بحُصّة أكبر في الكعكة اللبنانية المهترئة. والحقيقة أن في الثورة من يرى هذا الصنف من الطينة ذاتها للسلطة، إذ أنهم، وإن كانوا على خلاف (مرحلي أو موقت) مع الطبقة السياسية، على وئام مع لوبي المصارف، ولا بد أن يُمثلوا مصالحه في أي تركيبة مستقبلية. عملياً، في سياق صيغة الاستغلال المتوحش بين الواحد في المئة في لبنان، أي المصارف ورجال الاعمال وأصحاب الاحتكارات المرتبطين بالسلطة وشركائها، وبين فقراء لبنان الذين يزدادون جوعاً وعوزاً، يقف هذا الصنف في الثورة مع الفريق الأول، لا الثاني، وسيُمثل مصالحه ووجهة نظره في توزيع خسائر الانهيار.

لكن، أيضاً وأيضاً، كيف تُقارب قوى الثورة ضرورة الائتلاف وفق هذا الانقسام؟ لا مانع هناك من مستويات في الائتلاف. أولاً، تشكيل ائتلاف بين قوى الثورة الشبابية على الأرض بمختلف مكوناتها، أي الصنف الأول في الثورة. يحتاج هذا الائتلاف الى آليات ديموقراطية تماماً كالأحزاب، بما يتيح تنفيس أي احتقان وعرض الآراء المختلفة ضمن سياق واحد. لهذا الائتلاف عناوين واضحة تتراوح بين توزيع عادل لخسائر الانهيار من جهة، ورؤية مستقلة لمستقبل البلاد بعيداً عن الإصطفافات المدمرة طائفياً واقليمياً.

مع الصنف الثاني، من الضروري والمهم تشكيل مظلة للبحث في تفاهمات على القطعة بانتظار الانتخابات المقبلة. على سبيل المثال، بالإمكان التفاهم على حكومة انتقالية وآليات تشكيلها وصلاحياتها والمهام المنوطة بها. مثل هذا الهدف التكتيكي ضروري سياسياً، ويجب عدم تجاوزه في البحث عن مظلة واسعة. 

ذلك أن القوى المستقلة تقف اليوم عند مفترق طرف هام، إما أن تكون قادرة على مواجهة التحدي والانضواء في ائتلافات واسعة، أو نعود إلى نقطة صفر، بما يعني ذلك من تدمير للبلاد وفرص نجاتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها