الأحد 2020/06/28

آخر تحديث: 06:59 (بيروت)

إشتباك خطر بين الأميركيين والإيرانيين

الأحد 2020/06/28
increase حجم الخط decrease

لم تكن طهران تتوقع ان تكون اولى نتائج المحادثات الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن استهداف احد ابرز الفصائل التابعة لها من خارج مؤسسة الحشد الشعبي الرسمية "كتائب حزب الله" التي سبق ان وضعتها واشنطن على لائحة المنظمات الارهابية الى جانب فصيل "النجباء" بقيادة الشيخ اكرم الكعبي و"عصائب اهل الحق" بزعامة الشيخ قيس الخزعلي، وقامت باستهداف العديد من مواقعها على اطراف محافظة كربلاء وعلى طرفي الحدود العراقية السورية في القائم ودير الزور، وهي الاحداث التي كانت الدافع وراء دخول هذه الجماعات الى المنطقة الخضراء ومحاصرة السفارة الامريكية في الاول من كانون الثاني يناير 2020 والتي حسمت الخيار لدى الرئيس الامريكي دونالد ترمب بالذهاب الى قرار اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني بعد يومين من تلك الحادثة. 

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لم يترك امام الايرانيين سوى التردد بين الصدمة والعودة الى تبني الاتهامات السابقة حول خياراته الامريكية والعدائية مع ايران وكل الجماعات التي تدور في فلكها، وقد ساعد في تعميق الخيبة الايرانية التشدد والتصلب في المواقف التي صدرت عن رئيس جهاز مكافحة الارهاب الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، وساهمت في تعزيز القناعة لدى طهران والموالين لها بان اختياره من قبل الكاظمي وفي اولى خطواته في رئاسة الوزراء كان اختياراً وخياراً امريكياً تمهيدا او تأسيسا لمرحلة المواجهة مع الاذرع الايرانية على الساحة العراقية تحت عنوان او شعارات "فرض سيادة الدولة ونزع السلاح غير الشرعي وغير المنضبط". 

الشعارات التي اطلقها المسلحون الذين جابوا شوارع بغداد وكرروا ما فعلوه مطلع هذا السنة بالدخول الى المنطقة الخضراء ومحاصرة المقرات الحكومية، تكشف حجم الهوة الاخذة بالاتساع بين الكاظمي وتيار داخل الحشد الشعبي، خصوصا الجماعات التي تأتمر بأوامر "ابو فدك" المحمدواي الذي تولى المسؤوليات التي كانت في عهدة ابو مهدي المهندس بصفته نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي. ومخاطبة الكاظمي بان الداخلين للخضراء والمنتشرين في العاصمة هم "جماعة ابو فدك" تشكل مؤشرا قد يلامس الخطورة حول امكانية حصول انقسام عمودي بين الكاظمي وهذه الجماعات بما تمثله من عمق في طهران، ما يحمل على الاعتقاد بان الرسالة الايرانية اصبحت واضحة في رسم الخطوط الحمراء للمرحلة المقبلة ومشروع الكاظمي في تعزيز موقع الدولة وفرض السيادة والمضي لتطبيق آلية حصرية السلاح بيد المؤسسات الرسمية، وان تجاوز هذه الخطوط في هذه المرحلة قد يطيح بكل الامال والرهانات التي عقدها الكاظمي لتثبيت مواقعه وتحقيق انجازات على المسار الذي يكرسه لاعباً اساسياً في الحياة السياسية العراقية. 

الرسالة الايرانية وراء استعراض القوة التي قامت به الفصائل الموالية والتابعة لها، والارباك الذي حصل داخل مؤسسة رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة حول اعتذار الكاظمي عن أحداث ليلة 25/26 يوليو 2020، وتضارب المعلومات حول إطلاق سراح المعتقلين والابقاء عليهم قد الاحتجاز، يشير الى حجم الصدمة الايرانية من وراء عملية المداهمة والاعتقال، خصوصا وان هذه العملية تمت بمؤازرة ومشاركة من القوات الأمريكية وبناء على معلومات استخباراتية امريكية وادت الى اعتقال احد الاشخاص الايرانيين الذي لا يوجد اي مسوغ لوجوده في هذه القاعدة لجماعة كتائب حزب الله سوى كونه ضابط ارتباط من عديد قوة القدس التابعة لحرس الثورة الاسلامية الايرانية، اي ان العملية تصل الى مستوى اشتباك مباشر بين الخصمين الايراني والامريكي بشكل مباشر وعلى الأرض العراقية التي من المفترض حسب الكاظمي ان لا تتحول الى مسرح للمواجهة وتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران، وهو الهدف الذي رضيت به طهران لتمرير المحادثات الاستراتيجية بين الطرفين على ان تنتهي الى نقطة يتم فيها تنفيذ القرار الصادر عن البرلمان في السادس من كانون الثاني يناير من هذه السنة ويطلب من الحكومة انهاء وجود القوات الامريكية والاجنبية على الأراضي العراقية وقد إلتزم الكاظمي في مفاوضات ما قبل تكليفه وتشكيل الوزارة العمل على الالتزام به وتنفيذه وتطبيقه.

وإذا ما كانت حالة من الهدوء الحذر سياسيا وامنيا قد عادت الى العاصمة بغداد بعد هذا التطور الحساس في الصراع الأمني بين القوات الامريكية وجماعة كتائب حزب الله بما تمثله من عمق ايراني وما فيها من رسائل متبادلة بين الطرفين، يبدو ان الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد بين الطرفين في المرحلة المقبلة، خصوصا في ظل ما يمر به المحور الإيراني في المنطقة من تحديات وصعوبات، الى جانب التعقيدات المتزايدة التي يشهدها الداخل الايراني، جراء الآثار التي بدأت تظهر نتيجة العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الادارة الامريكية على جميع مفاصل هذا المحور في الداخل العراقي وعلى النظام السوري والقبضة التي باتت تضغط على خناق الاقتصاد اللبناني بشدة، وهي تحديات تدفع هذا المحور لعدم التراخي في التعامل مع تداعيات اي تطور او حدث يطال احد مكوناته الاقليمية، وبالتالي قد يدفعه ذلك الى مزيد من التشدد والتصعيد والذهاب الى خيارات قد لا تكون نتائجها ايجابية على المنطقة لما فيها من إمكانية اشعال برميل البارود الذي تقف عليه المنطقة، مع امكانية ان تشكل الساحة العراقية وحكومة الكاظمي صندوق رسائل مباشرة بين الطرفين، خصوصا اذا ما ذهبت الامور في طهران الى سحب المظلة "الخجولة" التي منحت للكاظمي، وما يعنيه ذلك وضع هذه التجربة على حافة الهاوية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها