الجمعة 2020/02/21

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

حصانة الصياد الاستثنائي

الجمعة 2020/02/21
حصانة الصياد الاستثنائي
increase حجم الخط decrease
كان الكشف عن اعتقال الجناة في قضية الإعتداء على الزميل محمد زبيب، مُثقلاً بالمعاني. ثلاثة جناة راقبوا تحركات زبيب بعناية، حددوا مكان الاعتداء بعد الاعلان عن محاضرة له على الانترنت، وتحركوا بشكل منسق للاعتداء ومن ثم الانسحاب من مكان الجريمة دون أثر.

الحدث بتفاصيله، وردة فعل القضاء ووزارة العدل، يُذكر بقضايا عديدة في الماضي القريب والبعيد، وهو توكيد على أن شيئاً لم يتبدل منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة. ما زلنا في المربع الصفري نفسه، وتُطرح أسئلة عديدة على المعنيين بهذه القضية وإدارتها بهذا الشكل السيء. أولها، كيف تُفسر وزيرة العدل الجديدة ماري كلود نجم أن أحداً لم يستدعِ مروان خير الدين للتحقيق معه؟ هل من المفترض أن نُصدق بأن المرافقين وحدهم خططوا ونفذوا هذا الإعتداء دون العودة إلى خير الدين؟ أليس استدعاء رئيس مجلس ادارة مصرف الموارد للتحقيق معه ضرورياً في مثل هذه القضية سيما أن لخير الدين سوابق في ملاحقة الناشطين وكل من يتناوله بانتقاد؟ أليس غريباً أن الناشط ربيع الأمين تعرض أيضاً لاعتداء بالضرب بعد انتقاده خير الدين؟ وقوع اعتداءين على ارتباط بخير الدين، يفترض اعادة فتح التحقيق الأول والبحث عن الجاني فيه. ومن واجب وزيرة العدل ايضاح مسار هذه القضية للناس. وفي حال فشلها في ضمان عدم حصول النافذين على حصانة من الملاحقات بحقهم، ربما عليها اتخاذ موقف بالاستقالة واعلان ذلك أمام الرأي العام. 

لا بد أن تعرف وزيرة العدل بأن صدقيتها هنا على المحك، وبأن الطريق الى استقلال القضاء لا يمر عبر حماية المتمولين والنافذين. كما عليها أن تتذكر مآلات قضية مرافقي مصرفي نافذ آخر هو أنطون الصحناوي قبل عشر سنوات. حينها، أطلق مرافقو الصحناوي النار على موظف سابق لديه بعد مشادة بينهما في ملهى ليلي، أوقعت جرحى أحدهم بحال الخطر. وكما في قضية خير الدين، اعتُقل المرافقون، وحصلوا على أحكام مُخففة بطبيعة الحال، رغم سيل من الانتقادات. لكن التعامل حينها مع القضية بهذه الطريقة، عزز الشعور بالحصانة عند طارق يتيم، أحد مرافقي المصرفي النافذ. بعد سنوات، قتل يتيم المواطن جورج الريف بدم بارد نتيجة خلاف على أحقية المرور. ربط كثيرون بين العقاب المخفف و"الحماية السياسية-المصرفية" في الجريمة الأولى، وبين فظاعة الثانية. ما الفارق بين الجريمتين؟ الفارق هو أن حضور النافذ ورضاه يمنح المرتكبين حصانة.

هل نرى مساراً مماثلاً في قضية الاعتداء على زبيب؟ يبدو الأمر كذلك، سيما أن اثنين من مرافقي خير الدين لجأوا الى قريبه وراعيه السياسي النائب طلال أرسلان قبل قرار الأخير تسليمهم للقضاء. ولا بد من الإشارة هنا الى التشابه بين سلوك كل من مسلحي أصحاب المصارف ومرافقيهم، و"قبضايات" الزعماء المرتبطين بهم. بعد كل هذه الجرائم، أليس بإمكاننا الحديث عن مشكلة اسمها سلاح أصحاب المصارف وميليشيات مرافقيهم؟

الواقع أن هناك خطاً مستقيماً في أخلاق أصحاب المصارف وممارساتهم، يصل بين هذه الاعتداءات من جهة، وبين قضية التحويلات، ونتائجها المباشرة، أي إذلال المودعين الصغار الخالين من النفوذ. ذلك أن من يتعاطى بهذا العنف الفوقي مع أصحاب الرأي، لن يُمانع تحويل مليارات النافذين للخارج، على حساب المودعين الصغار.

والاعتداءات الجسدية والمسلحة متصلة بفعل إذلال الناس أمام المصارف، لمصلحة كبار المودعين النافذين وتحويلاتهم للخارج. هذا الواقع المر يفضح الطبقة السياسية-المالية بكل مكوناتها، وربما أيضاً يُتيح لنا كشف حقيقة هذه الحكومة وإدعاءاتها مبكراً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها