الجمعة 2020/10/30

آخر تحديث: 15:41 (بيروت)

وداعاً أيتها الإصلاحات

الجمعة 2020/10/30
وداعاً أيتها الإصلاحات
increase حجم الخط decrease
ليس هناك ما يُؤشر الى أن الحكومة المزمع تشكيلها برئاسة سعد الحريري، تنوي الإصلاح. بالعكس، كلام "حزب الله" عن رفض كافة "شروط صندوق النقد الدولي"، يُمهد لتخريجة يُذبح بموجبها المشروع الإصلاحي ولكن بالتراضي والتوافق وضمن "الميثاقية"، إذ لا يجوز أن يرفض الشيعة إصلاحات ويقبل السنة والموارنة والدروز بها. إما أن يقبل كل قادة الطوائف بالإصلاحات أو أن يرفضوها بالتراضي بما يتوافق مع شعائر العيش المشترك. ذلك أن الإصلاحات تعني تجفيف منابع الهدر والفساد التي تُمول أحزاب السلطة وأنصارها. ومثل هذا القرار كفيل بطحن أحزاب السلطة، وإتاحة تحديها ومنافستها بالانتخابات المقبلة، في ظل غياب اعاشات الوظائف والمال الانتخابي.

إلا أن أركان السلطة اتخذوا قرارهم قبل زمن طويل. بعد مؤتمر "سيدر" قبل عامين، كان واضحاً أن السلطة السياسية تُفضل الانهيار وابتزاز العالم وأوروبا تحديداً باللاجئين وبجثث الفقراء في البحر المتوسط، على الإصلاح. الإصلاح كلمة السر لإرسال البلاد الى عوالم مُظلمة تتأرجح بين الجوع والفقر وبين العنف والاحتراب الأهلي.

لذلك اتُخذ القرار عام 2018 بالانتظار حتى النهاية، وبغض النظر عن العواقب. ولم يعد الحريري الى رئاسة الحكومة، إلا بسبب توافر بعض الآمال بإعادة تعويم المنظومة القديمة بمساعدات مالية من الخارج. ولا بد أن هذا المال سيأتي من خارج صندوق النقد الدولي وشروطه، ومن دون الأطر الإصلاحية الواضحة للاتحاد الأوروبي. ذلك أن الاتحاد الأوروبي وضع أربعة أركان للإصلاح، تشمل إدارة المناقصات الحكومية بشكل شفاف، والإصلاح القضائي (انتخاب القضاة لا تعيينهم من أركان السلطة الفاسدة)، وإصلاح قطاع الطاقة من خلال تعيين هيئة مستقلة للإشراف عليها ووقف الهدر الهائل فيها، ومكافحة الفساد. ضمن السياق الأخير، طبعاً يقع التدقيق الجنائي في المصرف المركزي، والذي طالب فيه "صندوق النقد الدولي".

هذا التدقيق طار الى غير رجعة. ومعه طبعاً، لن يتقدم ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي قيد أنملة. مكافحة الفساد ووقف التلاعب الدائم بالمناقصات الحكومية والإصلاح القضائي، جميعها مزحة ثقيلة وبائخة لن تتحقق طالما هذا الطقم السياسي موجود في السلطة. "حزب الله"، وهو الفريق الأقل تورطاً في الدولة اللبنانية، نظراً لتلقيه موازنة كاملة من ايران، يعرف ذلك جيداً وأبلغ بعض قيادييه بوضوح بأن عليهم ألا يتوقعوا أي إصلاحات قبل انتقال حلفاء كبار للتنظيم الى العالم الآخر.

الواضح الى الآن أن العودة اليوم للطريقة القديمة في التأليف، لناحية تمثيل كل قوى السلطة كما كان يحصل قبل 17 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، حصلت نتيجة تبدل في الواقع الدولي والإقليمي، بما يتيح الحصول على مساعدات دون شروط قاسية، وبما يتناسب مع درجة تحمل هذه الطبقة السياسية لأي إصلاحات، وهي بمثابة السم لمن اعتاد على نهب المال العام في مقاربته الشأن العام.

هذا التحول الإقليمي سيتيح تسويات في الداخل اللبناني وفقاً لعنوان جديد، بعيداً عن الصراع السني-الشيعي، وباتجاه مواجهة المد التركي، وربطه بما تبقى من التطرف. هكذا سننام على موجة راديو لم تعرف سوى التمدد الإيراني أو مواجهة الامبريالية، ونفيق على أخرى تعزف على نغمة مواجهة تركيا وسياساتها. ما بين هذه وتلك، الواضح هو أن الصورة التي ستُلتقط لأعضاء الحكومة الجديدة بعد تشكيلها، ستكون وداعية لكذبة عشناها على مدى سنتين، وإسمها الإصلاحات. 

بإمكاننا توديع هذا الوهم والتفرج مجدداً على مماطلة ومماحكات وأكاذيب طبقة سياسية لا ترى أبعد من مصالحها الضيقة جداً جداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها