الجمعة 2020/01/24

آخر تحديث: 11:08 (بيروت)

وزارات للأكل

الجمعة 2020/01/24
وزارات للأكل
increase حجم الخط decrease
بعد أيام على ولادة الحكومة اللبنانية، تبرز مؤشرات سلبية، داخلية وخارجية، إلى صعوبة الإصلاح، وبالتالي تُضعف احتمالات الدعم الخارجي المطلوب في هذه المرحلة.

لم تمض أيام على ولادة الحكومة حتى خرج الأقطاب المشاركين فيها، من أجل إعلان "انتصار" في اختيار حقائبها. النائب ​طلال ارسلان​ لم يجد حرجاً في إعداد مؤتمر صحافي كامل ليدعي فيه بأن الحصة الدرزية كانت حقيبتين في وزارة ثلاثينية لكنها باتت الآن ثلاث حقائب في حكومة من 19 وزيراً. طمأن الناس الى ارتياحه اليوم إلى طبيعة التمثيل، ونجاحه في الحفاظ على "الحقوق الدرزية". لكن في سياق إعلان هذا الانتصار الأرسلاني على الخصوم، دخل "الأمير" في تفاصيل الحقائب والتفاوض بشأنها، وفضح دون قصد الادعاءات بأنها مستقلة ومن اختصاصيين. "كان مطروحاً علينا في بادئ الأمر الحصول على ​وزارة الشؤون الاجتماعية​ فرفضت وطالبت ب​وزارة التربية​ في الحد الادنى، مع انّها "مش أكلة"، ولكن اعتبرت أنّها أفضل الممكن أو الاقل سوءاً بالمقارنة مع الشؤون الاجتماعية … ما حصل انّهم عوّضونا عن "التربية" بثلاث حقائب هي الإعلام و​السياحة​ والشؤون الاجتماعية".

وزارة التربية "مش أكلة" يعني أنها ليست خدمية، وبالتالي غير قادرة على جذب أرباح لممثلي "الطائفة". والتعاطي مع الحقائب بوصفها حقوقاً و"أكلات" لمن يحصل عليها، لم يتبدل مع هذه الحكومة، ما يطرح أسئلة عن الأداء المقبل للوزراء، مع ترجيح لاستمرار الحقبات السابقة في الأداء دون تغيير. وهذا واضح على سبيل المثال في أداء رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب الذي لا ينوي اتخاذ اجراءات تُغضب أياً من أقطاب الطبقة السياسية، حتى لو كانوا خارج السلطة. يكمن هنا افتراض بأن استعادة الثقة لا تنطوي على إجراءات لمكافحة فساد الأحزاب في الدولة، وعلى تعزيز دور القضاء في ملاحقة المعتدين على المال العام. استعادة الثقة تأتي من خلال وجود عدد قياسي من النساء في الحكومة، وأيضاً عبر كم الشهادات والمنشورات الأكاديمية للمشاركين فيها. ربما خيل لرئيس الحكومة أن الصورة لهذا العدد من الأكاديميين والنساء، كافية لجذب الاستثمارات وفك الوعود الغربية بالدعم.

صحيح أن هناك قلقاً أوروبياً وفي بعض الدوائر الحكومية الأميركية، حيال استقرار لبنان، وانعكاسات أي انتكاسات أمنية فيه على المنطقة والعالم بأسره. لكن هناك معايير قاسية في تمرير الدعم الغربي، تنقسم الى شقين. أولاً، الدعم الخارجي من صندوق النقد والبنك الدوليين، سيشمل تدقيقاً وتدخلاً لا يناسبان سياسيين لم يفارقوا القناعة بأن الحقيبة هي "أكلة" تُؤكل، و"حق" مكتسب، لا مسؤولية تتطلب أداء معيناً، وينتظر الناس منها نتائج تطال حياتهم اليومية. ثانياً، يتقاطع الدعم الخارجي مع أقطاب السلطة في تحميل الناس كلفة الأزمة المالية، إما من بوابة إصلاح نظام التقاعد وتقليص القطاع العام، أو لجهة الخصخصة.

العقبة الأساسية هنا هي التدقيق في شبكة الفساد التي تنخر جسد الدولة. المعطيات الحالية تُفيد أن أحداً من هؤلاء الوزراء لن يجرؤ على الاقتراب من مدير عام أو حتى رئيس دائرة ورئيس حرس، بل سيقتصر دورهم على إلتقاط الصور الجميلة من أجل الحصول على الدعم الخارجي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها