الأحد 2019/07/07

آخر تحديث: 12:04 (بيروت)

إيران..فرصُ التفاوض

الأحد 2019/07/07
إيران..فرصُ التفاوض
increase حجم الخط decrease
موقفان يتكاملان ويكشفان المسار الذي تتجه له الازمة الايرانية مع الولايات المتحدة الاميركية. الاول وعلى الرغم من مسارعة الجهة المعنية الى نفيه وتكذيبه، هو الموقف الذي صدر عن وزير الامن الايراني محمود علوي وتحدث فيه عن امكانية عودة المحادثات بين ايران والولايات المتحدة اذا انهت واشنطن العقوبات، مضيفا انه "يمكن اعادة النظر في المحادثات مع اميركا فقط اذا ما اوقف ترامب العقوبات وسمح المرشد الاعلى باعادتها". والثاني جاء في كلام الرئيس حسن روحاني خلال الاتصال الهاتفي المطول مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون عن امكانية العودة الى التفاوض مع مجموعة 5+1 لبحث بنود الاتفاق النووي في حال اوقفت واشنطن العقوبات ضد ايران. وهو الموقف الذي يكشف عن تطور في الموقف الايراني الذي دأب منذ اعلان الرئيس الاميركي انسحاب بلاده من الاتفاق النووي ان يصف المجموعة الدولية المشاركة في الاتفاق النووي بانها مجموعة 4+1 محذوفا منها واشنطن. 

الليونة التي ابداها روحاني في محادثاته مع ماكرون، والوعد الذي اطلقه الرئيس الفرنسي بعقد جلسة تفاوضية منصف الشهر الجاري يوليو، قد تكون من باب المغامرة من كلا الطرفين في حال لم يحصلا على الضوء الاخضر للوصول الى هذه النقطة والتقدم في بحث آلية عودة المفاوضات. 

فمن المستبعد ان يعمد روحاني الى القبول بمبدأ عودة التفاوض مع الولايات المتحدة، ما لم يحصل على موافقة ولو ضمنية من المرشد الاعلى للنظام آية الله السيد علي خامنئي، الذي قطع الجدل على اي محاولة ايرانية للحديث عن التفاوض عندما رفع شعاره الصريح "لا حرب ولا تفاوض"، والذي اعاد التأكيد  عليه خلال استقباله لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في 13/6/2019 بالقول لا تفاوض مع الولايات المتحدة في ظل العقوبات التي تفرضها على بلاده. 

اما الرئيس الفرنسي من ناحيته، فان مبادرته الاعلان عن جلسة تفاوضية في منتصف الشهر الجاري، والتي يتضح انها قد تكون بمشاركة اميركية بناء على كلام روحاني، لم تكن من دون التنسيق مع نظيره الاميركي دونالد ترامب، مدفوعة بالحرص الاوروبي، خصوصا الترويكا (الفرنسية الالمانية البريطانية) للحفاظ على الاتفاق النووي، والذي كان واضحا في كلامه مع روحاني عندما حذره من الاجراءات الايرانية التي قد تنسف هذا الاتفاق، والمخاوف من ان تصل هذه الاجراءات الى مستوى قد يدفع الجهات الراعية له مع مجلس الامن لاعتبارها انهاء طهران إلتزامها بتطبيق الاتفاق، وبالتالي قد تصل الامور الى مرحلة قد يصعب معها العودة الى طاولة المفاوضات او صعوبة التوصل الى اتفاق جديد، خصوصا في ظل الشروط المتبادلة بين طرفي الازمة الاساسيين، وهي شروط مفتوحة على ملفات تتعدى النووي الى النفوذ الاقليمي لايران وبرنامجها النووي ورفض ايران لمثل هذا التفاوض، وسعيها لحصر الامر في الجانب النووي والعقوبات الاقتصادية. 

يمكن القول ان طهران استطاعت التأثير على الموقف الاوروبي ودفعته للتحرك بشكل اكثر جدية من اجل الحد من مسارات التصعيد التي لجأ اليها الطرفان الايراني والاميركي، خصوصا وان روحاني كان واضحا في كلامه مع ماكرون عندما اعتبر آلية التعامل التجاري والمالي التي انشأتها الترويكا الاوروبية فاشلة ولا تلبي الحاجات الايرانية التي تتركز في حاجتها الى بيع نفطها والحصول على عائداته. وبالتالي فان خيار طهران سيكون الاستمرار في الالية التي اعتمدتها في قرارها الاستراتيجية بخفض او تقليص التزاماتها في بعض بنود الاتفاق النووي خصوصا في الجانب المتعلق بمستوى تخصيب اليورانيوم . 

ويبدو في هذا السياق ان سياسة الابتزاز الايراني قد اثمرت في تحريك الجمود او ما تصف بالوعود الاوروبية المعلقة في مساعدتها على تخطي العقوبات الاميركية، فقد استطاعت من خلال المرحلة الاولى من تقليص الالتزامات والتي تضمنت رفع مستوى مخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة 3.67 في المئة الى اكثر من 300 كليوغرام، واعادة تنشيط العمل في مفاعل اراك للماء الثقيل، استطاعت دفع دول الترويكا الى اعلان البدء بتطبيق آلية التعامل التجاري والمالي قبل انتهاء مهلة 60 يوما التي وضعتها من اجل ذلك. لكنها تمسكت بهذه الاجراءات واعلنت الانتقال الى المرحلة الثانية برفع درجة التخصيب بداية الى 5 في المئة التي تستخدم في انتاج الوقود النووي ولاحقا الى مستوى 20 في المئة للاستخدامات الطبية والعلمية،عندما لم تلب الالية حاجاتها في بيع النفط، بالتزامن مع الاعلان عن استعدادها للعودة الى وقف هذه الاجراءات في حال اعلنت اوروبا التعاون الجاد في كسر العقوبات الاميركية. 

قد يكون الهدف الايراني من تسريع عملية الانتقال الى رفع مستوى التخصيب، فرض أمر واقع جديد لا يخرج عن بنود الاتفاق النووي، لكنه يعطل الالية الزمنية التي لحظها الاتفاق في انتقال ايران الى هذه المرحلة والتي حددها بخمس عشر سنة، وبالتالي فانها تسعى الى فرض اجندتها على طاولة المفاوضات المحتملة، وان تكون العودة الى المستويات السابقة والالتزام بالاليات الزمنية للاتفاق هو موضوع التفاوض، على امل ان تتفادى مواجهة مطالب اميركية قد تفرض مزيداً من القيود على برنامجها النووي وفتح التفاوض على الشروط الاميركية الاخرى التي تتعلق بالملفات الاخرى موضوع الخلاف بينهما. من دون ان تسقط من اعتباراتها الحاجة المتبادلة بينها وبين واشنطن الى مفاوضات مباشرة حول موضوع النفوذ الاقليمي والبرنامج الصاروخي، وهي حاجة مؤجلة لما بعد مرحلة اعادة بناء الثقة المتبادلة من بوابة العودة الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها