الجمعة 2019/04/19

آخر تحديث: 16:15 (بيروت)

ملوك وأباطرة في الدولة اللبنانية

الجمعة 2019/04/19
ملوك وأباطرة في الدولة اللبنانية
increase حجم الخط decrease
لم تكن الأرقام المتداولة يوم أمس على لسان وزير المالية علي حسن خليل، سوى صادمة لكل فئات الرأي العام اللبناني. علينا استعراض الحقائق الصادمة، ووضعها في سياقها الحقيقي، أي في توصيف ممارسات الطبقة السياسية خلال أكثر من ربع قرن مر علينا بعد نهاية الحرب الأهلية وإجراء الانتخابات التشريعية الأولى.

أولاً، الموازنة تُنفق على المصارف و"الريع الانتخابي والسياسي" المتمثل بموظفي القطاع العام، وجُلّهم من الموالين لمكونات هذه الطبقة السياسية الفاشلة. وفقاً لوزير المالية، 35 بالمئة من الموازنة رواتب ومخصصات وتقاعد، و35 بالمئة خدمة دين عام، 11 بالمئة كهرباء. أما بقية الانفاق، أي الاستثمار في مستقبلنا وبنيتنا التحتية وتسيير شؤون الدولة لا يتجاوز 19 بالمئة. عملياً، ندفع سنوياً 70 في المئة لخدمة ديون بفوائد عالية للمصارف، وهندسات مالية باهظة الثمن وخلافها، ورواتب لقطاع عام تضخم نتيجة ممارسات مكونات الطبقة السياسية.

تخيلوا أننا إلى الآن لم نسمع كلمة "أخطأنا"، ناهيك عن اعتذار واضح من أي مسؤول لبناني عمّا ارتُكب خلال العقود الماضية. حتى هفوات السنتين الماضيتين من إقرار سلسلة الرتب والرواتب وارتكاب أخطاء فادحة في حساباتها، إلى توظيف آلاف في قطاع عام يشكو الخبراء من تضخمه وكلفته العالية. كل ذلك كان في سبيل الانتخابات النيابية الماضية. وبعدها يأتي التقشف للحؤول دون الإنهيار.

ثانياً، هناك في القطاع العام رواتب خيالية، بعضها أعلى من راتب رئيس الجمهورية. على سبيل المثال، أدلى الوزير باعلانات خطيرة من قبيل أن "معظم المؤسسات العامة في لبنان تعاني من فائض في المعاشات والتوظيف". كما أن هناك من يستفيد من "غرامات" تتراوح قيمتها بين "18 و 25 مليون ليرة سواء في الجمارك أو مؤسسات أخرى". بكلام آخر، هناك من يقبض راتباً اضافياً يتراوح بين 12 و17 ألف دولار أميركي، وهو أعلى من راتب مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، وأعلى أيضاً من راتب رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي (150 ألف جنيه استرليني سنوياً) بعد احتساب الضريبة. تخيلوا أنه في بريطانيا، يُحتسب راتب النائب ضمن ما تتقاضاه رئيسة الوزراء، ولا يُضاف إليها، كما يحصل في لبنان مع النواب الوزراء.

ورغم أن خفض ما يتقاضاه النواب والوزراء لن يُنقذ المالية العامة، إلا أن الأرقام الضخمة المتداولة، والدائمة مدى الحياة، تؤشر الى ثقافة هدر طائلة في إدارة الشأن العام، يجب تعديلها. من غير المقبول أن يقبض النائب راتباً مدى الحياة، يُنقل الى ذويه مدى الحياة أيضاً. لسنا امبراطورية قديمة أو دولة نفطية ثرية.

ومن بين إعلانات وزير المالية أن بعض موظفي الفئة الأولى "أعضاء في 9 لجان، وهناك من يأخذ بلجنة واحدة إذا حضر جلسات، أكثر من معاشه. وبعض موظفي الفئة الأولى يصل معاشهم إلى حدود الـ 50 مليون ليرة". 50 مليون ليرة يعني أكثر من 33 ألف دولار، أي 3 أضعاف راتب رئيسة وزراء بريطانيا، وأكثر من راتب الرئيس الأميركي. لكن هذا الموظف الجهبذ في الفئة الأولى يحضر اجتماعات اللجان ويتقاضى أموالاً عن ذلك، على عكس رئيسة وزراء بريطانيا التي لا تملك هذه القدرة للأسف.

من المهم أن نسمع هذا الكلام من وزير المالية، لكن أيضاً من الضروري رفع الصوت من أجل وضع الأمور في سياقها. لماذا تفاجأ الوزير اليوم بهذه الوقائع، وفريقه السياسي في الحكم منذ تسعينات القرن الماضي؟ لماذا يُقررون اليوم معالجة نقابة موظفي سكة الحديد، والقطارات متوقفة منذ سبعينات القرن الماضي؟ هل يملك هؤلاء الموظفون سلطة خارقة تحول دون محاسبتهم؟ بالتأكيد لا. هذا الهدر المتواصل نتيجة ثقافة أهل الحكم وأحزابهم وموظفيهم.

يجب وضع الأمور في سياقها. هذه الطبقة السياسية مسؤولة برمتها عن تدهور المالية العامة للدولة، وعن ترهل الاقتصاد، وأيضاً وأيضاً عن ثقافة هدر مستشرية في نظامنا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها