الجمعة 2019/03/22

آخر تحديث: 11:49 (بيروت)

بومبيو مع إستقرار لبنان وضده

الجمعة 2019/03/22
بومبيو مع إستقرار لبنان وضده
increase حجم الخط decrease
من التصريحات السابقة لها، تبدو رحلة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بيروت الجمعة، أشبه بمبارزة ملاكمة غير متكافئة، بين بطل من الوزن الثقيل، وآخر مهترئ ومريض لن يقوى حتى على النهوض بعد توجيه اللكمة الأولى. من القدس حيث نقلت الولايات المتحدة سفارتها أخيراً، تحدث بومبيو كملاكم يستعد للمبارزة في لبنان، بتوجيه الرسائل الحازمة إلى "المسؤولين اللبنانيين"، لاتخاذ اجراءات للحد من تمدد "حزب الله". وكأن ذلك في متناول أيديهم.

عبارتان قالهما بومبيو، تختصران الموقف الأميركي. أولاً، "حزب الله تنظيم إرهابي، وتسألوني عن مدى قسوتي حياله؟ إنه تنظيم إرهابي ونقطة على السطر". ثانياً، رداً على أسئلة عن لقائه المرتقب برئيس الجمهورية ميشال عون، تحدث بومبيو عن "أننا سنتحدث طويلاً مع الحكومة اللبنانية بشأن مساعدتهم على فك الارتباط بالتهديد الذي تُمثله إيران ومعها حزب الله لهم". "في مهنتنا"، قال وزير الخارجية الأميركي قاصداً الديبلوماسية، "نتحدث إلى أناس كثيرين نأمل بتغيير أساليبهم، وسنكون واضحين حيال كيف ترى أميركا حزب الله، وتوقعاتنا في خصوص اعتماد نجاح لبنان على مطالبة الشعب اللبناني بألا تُسيطر منظمة ارهابية على الحكومة، وألا تُدير السياسات وتزيد المخاطر للبلد بأسره".

والحقيقة أن هذا تحذير جدي على المديين المتوسط والبعيد. الولايات المتحدة ما زالت بالمبدأ ملتزمة الاستقرار في لبنان، وترغب في مواصلة دعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية خلال الفترة المقبلة. لكنها تقول أيضاً إن استمرار تمدد "حزب الله" في الدولة اللبنانية يعني تبدل هذه السياسة الأميركية جذرياً. تكمن المشكلة هنا في عدم الوضوح. أي توسع لـ"حزب الله" غير مقبول؟ هل يُقصد هنا مثلاً وزارة الصحة، أم حلفاء النظام السوري والحزب، أم سياسات مُحددة؟ ثم ما البديل المتوافر عن الدور الحالي لـ"حزب الله" في الحكومة، ضمن التوازنات الاقليمية الراهنة؟

المُقلق في عدم تحديد الخطوط الحمراء أننا أمام سياسة متقلبة وقابلة للتأويل متى ارتأت الإدارة الأميركية ذلك.

وهذا مقلق لأننا أمام إدارة أميركية تزداد التصاقاً بحزب الليكود في سياستها المشرقية. لهذا زار بومبيو إسرائيل قبل لبنان، وأجاب من هناك عن الرسائل التي سيُوجهها إلى المسؤولين اللبنانيين في خصوص "حزب الله" ودوره في الحكومة. ترافقت زيارته مع "هدية" الاعتراف الأميركي بالجولان أرضاً اسرائيلية، لا سورية محتلة. إنها رسالة مدوية ثانية بأن هذه الإدارة أكثر جدية في دعمها لإسرائيل، مما سبقها، ولا أولوية لها سواها في المنطقة.

عملياً، تسير الإدارة الأميركية عكس المنطق. بات الإحتلال الإسرائيلي اليوم شرعياً ويجب الإعتراف به، في حين هناك مؤشرات إلى أن قبول واشنطن بالنظام السوري وربما المشاركة في اعادة الإعمار، صار أيضاً رهن التخلص من الوجود الإيراني المقلق لإسرائيل. أضحت كتلة فلسطينية كبيرة تشمل منظمة التحرير والسُلطة الملتزمة عملية السلام، غير مرغوب فيها أميركياً. حتى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين وعشرات الطلاب الفلسطينيين الفقراء في تعليمهم العالي، باتت سياسة مرفوضة.

لكن في لبنان، هذه السياسات أكثر خطورة. ذلك أن واشنطن تفرض المزيد من العقوبات على "حزب الله"، وتُحاول في آن، زيادة الضغوط على الأطراف السياسية اللبنانية للمساعدة في احتواء تنظيم مسلح. وهذه مقاربة متفجرة في بلد تزداد أعباؤه المالية والاقتصادية، ولا تنقصه جولات جديدة من عدم الاستقرار. بومبيو سيؤكد في بيروت التزام بلاده بالاستقرار. لكنه يطلب من اللبنانيين ألا يكون الاستقرار أولوية. هو مع الاستقرار وضده.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها