الإثنين 2019/12/09

آخر تحديث: 18:30 (بيروت)

لاحقوا أموالهم في الخارج

الإثنين 2019/12/09
لاحقوا أموالهم في الخارج
increase حجم الخط decrease
في طريقنا إلى الإنهيار المقبل، وهو اليوم بات حتمياً في ظل سلوك الطبقة السياسية، وتناحرها وتقاذفها كرة المسؤولية بين مكوناتها، علينا أن نسأل "من يدفع الثمن؟" 

وهنا تقع مسؤولية كبيرة على المنتفضين وأنصار هذه الثورة، لملاحقة أركان هذه الطبقة السياسية الفاسدة، في الخارج حيث ودائعهم وعقاراتهم واستثماراتهم الأخرى.

وهذه المسؤولية مردها مبدأ أن السياسيين اللبنانيين يجب ألا ينجوا من العقاب ويُواصلوا التغول على حسابنا، فيما يغرق ملايين اللبنانيين في الفقر والعوز وفقدان الأمل. صحيح أن الجريمة وقعت، ولا يمكن تجنّب عواقبها، لكن هناك مسؤولية علينا في تأمين العدالة. أولاً لأن حجم الجريمة وآثارها الطويلة الأمد ليست بالهينة، وثانياً لأننا أمام مجرمين متسلسلين لن يتوقفوا عند هذا الحد.

رغم الفشل الحكومي والانهيار المالي، ما زالت المحسوبيات سائدة، والمناقصات تُمنح للمحسوبين بدلاً من التركيز على الاستحقاق الحكومة، ووضع خطة مالية عاجلة لدرء الإنهيار الحاصل. آلام الناس غير مرئية، بل يرون فقط الفرص التي على السياسيين اقتناصها. 

ما العمل؟

الملاحقة القانونية في الخارج واجبة، وهي ممكنة أيضاً كما نرى في حالات كثيرة كانت آخرها في باريس محاكمة رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع سابقاً، وعم الرئيس السوري بشار الأسد. الأسد يُحاكم اليوم بتهمة الاثراء غير المشروع، إذ يمتلك "إمبراطورية عقارية" في فرنسا مصدرها أموال عامة سورية. نموذج رفعت عميم عندنا في لبنان، ذاك أن السياسيين هرّبوا إلى الخارج (وما زالوا يهرّبون) جزءاً من الأموال العامة المنهوبة، يُقدرها البعض بالمليارات لو احتسبنا موجودات المصارف السويسرية والعقارات في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. وآثار هذه السرقات واضحة في مجتمعاتنا، وتتكشف فصولها بالانهيارات المالية تباعاً، أي أنها ليست قديمة كما في حالة رفعت الأسد (غادر سوريا قبل 37 عاماً). 

وبإمكان بعض المودعين اللبنانيين ممن احتجزت أموالهم وبالتعاون مع محامين لبنانيين أوروبيين، ملاحقة المسؤولين اللبنانيين المتهمين بالفساد. ومن ضمن الخيارات المتعددة المتاحة في هذا المجال، اللجوء إلى جهات أوروبية متخصصة، كما حصل مع رفعت الأسد الذي تولت جمعية "شيربا" الفرنسية لمكافحة الفساد، رفع شكوى ضده بتهمة حيازة ممتلكات بأموال مُختلسة (من الدولة السورية)، ما أدى أخيراً الى احتجازها.

خيارات الملاحقة في هذا المجال عديدة وواجبة، وبإمكان اللبنانيين المتضررين في الخارج نتيجة الاجراءات المصرفية، رفع لوائها. والأهم في الملاحقة أنها ترسم خطاً بين الماضي والمستقبل من خلال ارغام السياسيين على أن يدفعوا ثمناً لارتكاباتهم. ذاك أن السياسيين اللبنانيين وجُلهم من أباطرة الحرب الأهلية اللبنانية ومجرميها، بنوا نظاماً يُعيد تدوير ارتكاباتهم من خلال قوانين العفو، بدءاً من عام 1991 وأخيراً وليس آخراً بمشروع القانون الأخير الذي لم يُبصر النور بعد.

وهذه قوانين لا تنسحب على الخارج حتى لو أقرها السياسيون. والواضح أن سمعة هذه الطبقة السياسية تتدهور نتيجة انتشار الفضائح وآخرها تقرير سرقات النفايات في صحيفة "ذي نيويورك تايمز" الأميركية. بات جليّاً على سبيل المثال أن الساسة اللبنانيين مارسوا خدعة انتخابية من خلال الإنفاق المالي السخي وغير المضبوط (من الدول النفطية الراعية للسياسيين والأحزاب، أو عبر رجال أعمال موالين)، وتوزيع الوظائف والخدمات الحكومية ورفع الرواتب قبل الاستحقاق (ورغم الآثار المدمرة لذلك). أي من الأفعال السابق ذكرها يجعل أي عملية انتخابية "غير شرعية"، وكذلك البرلمان الخارج منها وقوانينه.

ومن الصعب أيضاً أن نتخيل ملاحقات قانونية في الداخل اللبناني، كما يأمل الكثيرون من المحامين، ذلك أن السياسيين ما زالوا يُفصّلون القوانين والتعيينات القضائية على مقاسهم، ولا علامات على نشوء قضاء مستقل يُلاحق الفاسدين.

وحدها الدعاوى القانونية والملاحقات في الخارج كفيلة بإلحاق الأذى بناهبي المال العام، بل قد يسترد لبنان وضحايا الطبقة السياسية من خلال هذه الخطوات، بعضاً من الأموال المسروقة، بدلاً من التسول على أبواب الدول المانحة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها